IMLebanon

لا مكان لأحلام التقسيميين

 

مع كل حدث أمني ومع كل عملية تهدف لزعزعة الأمن إن عن قصد أو بالصدفة، ترتفع أصوات النشاز لتنادي بالأمن الذاتي أو الفدرلة التي تخبىْ في طياتها التقسيم، وكأن هذه الأصوات كانت تنتظر الحدث لا أكثر ولا أقلّ لتدلي بدلوها. حتى أن الناس باتت ترى في كون الحدث هو الشرارة، وكأن البعض أصبح على درجة عالية من الاستعداد والتأهّب، ولا يفصله عن الفعل الذي يأخذ في غالب الأحيان ردّة الفعل سوى لبس «البدلة» والذهاب إلى الجبهة وكما يقول المثل الفرنسي «à la guerre comme à la guerre»، وذلك بغض النظر عن الجبهة أو عن العدو، فالعدو جاهز في أدبياتهم ويعني بكل بساطة الآخر وهذا الآخر هو المختلف عنا الذي لا يلبس لبسنا ولا يشرب مشربنا وكما عبّر أحد جهابذة التقسيميين أن هذا الآخر لا يشبهنا ولا نحن نشبهه، ونحن بحسب هذا «الفلهوي» ننتمي أو ننزل من كوكب آخر وكأن الأرض التي نعيش عليها باتت أصغر من أن تتسع لكلينا، فيضمحل مفهوم الوطن الذي ابتدعه المعلم بطرس البستاني وينتفي المغزى والهدف من وجود لبنان كوطن جامع لمختلف الحضارات وحاضن للتراث العالمي ومهد للتفاعل الإنساني.

من جرّب المجرّب كان عقله مخرّب

من عاش ويلات الحرب ومن عاش حقبة الحرب الأهلية التي بدأت في العام 1975 يعي تماماً ما حدث في تلك المرحلة التي شهدت انقسام الوطن إلى مناطق شرقية وغربية. وكذلك فلبنانيو تلك المرحلة يتذكرون تماماً ما كان يحدث تارة بإسم الدين وطوراً باسم العقيدة، ويذكرون حقبة التراشق العسكري بين المنطقتين وما جرّ ذلك من ويلات على اللبنانيين قاطبة، ويذكرون تماماً – تنذكر وما تنعاد – كيف كان صبية الأحياء ومسلحو الشوارع يسيطرون على رقاب الناس والعباد، ويذكرون القتل على الهوية ولا يغيب عن ذهن لبنانيو تلك الحقبة الموانئ غير الشرعية من الصرفند إلى الجية وسلعاتا مروراً بالحوض الخامس وجميل الجميل، وهم يذكرون سطوة الإدارة المدنية في الجبل والصندوق الوطني في المناطق الشرقية، إلى ما هنالك من تسميات وتوصيفات كان أمراء الحرب والميليشيات يبتدعونها للإمساك بالوطن والمواطنين، وكل ذلك تحت مسمى ما كان يعرف بالأمن الذاتي.

فبربكم هل يوجد لبناني واحد يريد العودة إلى تلك الحقبة ومصطلحات تلك الحقبة وقوانين أو لنقل «لا قوانين» تلك المرحلة؟

لا وطن قومي طائفي ولا فتح لاند

وإذا كان اللبنانيون العقلاء والحكماء لا يريدون العودة إلى حكم الميليشيات وسيطرة صبية الشوارع و«رياس الأحياء» وكل مين ديك على مزبلته صياح، فإن اللبنانيين يرفضون العودة إلى منطق «فتح لاند» أو العرقوب لاند لا فرق، ولنكن واضحين فما من لبناني واحد يريد تسييب البلد لا من بوابته الجنوبية ولا من بقية البوابات والمعابر. وليس هنالك من اختلاف بين اللبنانيين في اعتبار إسرائيل عدواً وكذلك اعتبار النازحين قنبلة موقوتة من شأنها تفجير البلد، فكما يشكّل الجنوب خطراً لجهة وجود النوايا الإسرائيلية العدوانية تجاه لبنان، فإن المعابر الشرقية حيث يتدفق النازحون لا تشكّل أقلّ خطورة.

لبنان أكبر من أن يبتلع وأصغر من أن يقسّم

هذا الشعار الذي كان أول من رفعه رئيس الجمهورية العماد عون لم يزل قائماً، وبالتالي فإن الحل لا يكون إلّا بقيامة لبنان دولة حرّة سيدة موحّدة، وإن من مقومات هذه الدولة هو وجود المؤسسات وأولها رئاسة الجمهورية التي من دونها لا يمكن بدء البناء والإصلاح والإعمار والتوحيد. فرئيس الجمهورية وحده وبالرغم من صلاحياته المحدودة لم يزل يشكّل رمز الدولة التي من شأنها جمع اللبنانيين كل اللبنانيين، وتوحيد الوطن ويصبح عندها فعلاً لا قولاً «لا مكان لأحلام التقسيميين».

* كاتب سياسي