دخل لبنان مرحلة جديدة في مواجهة الإرهاب الداعشي من بوابة تفجيرات القاع، التي أظهرت مرّة أخرى هشاشة الاستقرار الأمني ووهن مؤسسات الدولة وعجزها عن الخروج من مستنقع التعطيل وكسر حلقة الدوران المفرغة العالق بها لبنان منذ الشغور الرئاسي، أي ما يزيد عن العامين، وكما جرت العادة تأتي التهديدات الأمنية عشية افتتاح الموسم السياحي وعلى أبواب إجازات الجالية اللبنانية التي تنتظر العودة إلى ربوع الوطن في بداية الصيف، فتعود الأزمة الاقتصادية إلى المربّع الأوّل، بعدما فقد الأمل من إعادة المياه إلى مجاريها مع السيّاح العرب التي نجحت السياسات التطفيشية التي مارستها فئة معينة في قطع آخر أواصر العلاقات الأخوية والتجارية، وبات القطاع الانتاجي الشبه وحيد في الاقتصاد الوطني على كف عفريت، بعدما نجحت الأجندات الخارجية والكيديات الداخلية في شله بشكل تام وضرب منابعه.
وجاءت تفجيرات القاع كبداية لملف أمني كثر الكلام حوله وتوالت التحذيرات الداخلية والخارجية حول خطورته من دون أن تلقى آذاناً قادرة على اتخاذ خطوات جدية لمواجهتها، تلتها موجة إشاعات حذّرت من التواجد في المجمعات التجارية والشوارع الترفيهية والأماكن المكتظة، أي بمعنى آخر، حذّرت من التواجد في الأماكن السياحية، وأكدت مرّة جديدة أن لبنان ليس بخير ولن يكون طالما المنطقة حوله لا تزال على فوهة البركان.
وعلى الرغم من التعاطف الوطني حول أهل القاع ودعم الجيش والقوى الأمنية في مواجهة الإرهاب الضارب، عادت ظاهرة الأمن الذاتي لتعيد صور السبعينات إلى الأذهان، حيث كان السلاح منتشراً بين المدنيين وكانت القيادات تتباهى به، وكأن الساعة دقت لفتح باب التسليح ونشر السلاح غير الشرعي بين جمهور، أقل ما يقال عنه، انه أرضية خصبة لإعادة عقارب الساعة إلى سنوات الحرب سيئة الذكر، ولكن، حبذا لو علّمت التجربة المريرة اللبنانيين أكثر لكانوا نجحوا في الحفاظ على الدولة القادرة والجامعة، بدلاً من الانزلاق في زواريب المصالح الخاصة. فلو جنّد، مَن يتباهى بالسلاح والمال والمنابع الخارجية، كل هذه الإمكانيات البشرية والمادية في خدمة الوطن، وانطوت تحت لواء الدولة والسلاح الشرعي، لصمدت الدولة في وجه كل المؤامرات واستطاعت الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار الأمني والمالي، في منطقة تتقاذفها الأمواج العاتية، إلا أن سياسة تفويت الفرص هي تخصص لبناني بامتياز، فلا الاقتصاد قادر على مواجهة الأعاصير والاستفادة منها، ولا الأمن مستتب لدعم الاستثمارات والسياحة المشلولة، ولا الدولة بدولة في ظل غياب رأس الهرم وتعطيل السلطة التشريعية وعجز السلطة التنفيذية عن الإنتاجية المطلوبة.
وإذا كان السلاح الخارجي قادراً على تأمين الأمن الذاتي لبعض المواطنين، فمن مسؤول عن صون دولة المؤسسات، ودعم الجيش والحفاظ على ما تبقى من مفاهيم للوطن؟