الأمور واضحة، ولا شيء يدعو إلى الإرتباك أو الخطأ، وبيان النأي بالنفس مصادره معلومة ومراجعه متوافرة:
خطاب القَسَم، البيان الوزاري، إتفاق الطائف، الدستور اللبناني.
هذه المراجع الأربعة، على تفاوت أهميتها، قادرة على استنباط أيِّ بيانٍ من دون أيِّ جهدٍ استثنائي، وهذا ما جرى الإستناد إليه عند صياغة بيان النأي بالنفس الأخير.
فخطاب القَسَم يركِّز على أنَّ لبنان هو في مواجهة مع اسرائيل ومع الجماعات الإرهابية التي تهدِّده، وهو ليس معنياً بأزمات المنطقة لأنَّ أسبابها داخلية وهو لا يتدخل فيها.
إذاً، الإبتعاد عن صراعات المنطقة هو الأساس في مضمون البيان، ومَن يقترب من هذه الصراعات يتحمَّل فريقه المسؤولية بالدرجة الأولى، وهذا ما سيتم إعلانه على الملأ.
بعد جلسة بيان النأي ستنطلق الحكومة في أعمالها كالمعتاد، خصوصاً بعد أن تأخرت كثيراً في الملفات والبنود التي يُفترض أن تكون قد أصبحت منجزة… إنَّ جردة العام ليست سيئة، وإنْ كان الشهر الحادي عشر منه من أسوأ الشهور على كل المستويات، لكن الخروج منه بأقل خسائر ممكنة يعطي الأمل بأن يكون الشهر الحالي شهراً واعداً تحضيراً للإنطلاقة القوية مطلع السنة الجديدة الحافلة بالإستحقاقات.
ما بعد جلسة النأي بالنفس يُفترض ألا يكون كما قبلها، فالحملات الإعلامية التي تُشنُّ على دول الخليج، إنطلاقاً من لبنان، يُفترض أن تنحسر كلياً لأنَّ لا معنى للنأي بالنفس من دون أن يواكبه وقفٌ للحملات الإعلامية، وهذا الأمر يُفترض أن تكون كل الأطراف قد تبلَّغته.
ومواكبة لتبريد الأجواء، شهدت الكويت حدث القمة الخليجية السنوية الثامنة والثلاثين لدول مجلس التعاون الخليجي، والتي تأتي غداة الأحداث الدراماتيكية في اليمن. وهذه القمة الخليجية تنعقد أيضاً للمرة الأولى بعد أزمة العلاقات بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة، وقطر من جهة أخرى، ومن شأنها أن تُشكِّل تراجعاً لقطر عن المواقف التي اتخذتها، وتكون بذلك الكويت قد نجحت في قيادة وساطة جبارة بالإعتماد على الدبلوماسية الهادئة من دون صخب أو ضجيج.
النسب متساوية بين أن تكون المنطقة متجهة إلى التصعيد أو أنَّ التصعيد سينحسر لمصلحة التسوية، هذا الوضع هو من أصعب الأوضاع التي تستدعي انتظاراً ثقيلاً، وفي السياسة فإنَّ أصعب الأمور هو الإنتظار لِما يُسبِّبه من إرباك على مستوى التطورات، ومع ذلك فإنَّ لبنان مضطرٌ إلى أن يكون في وضع الحذر جداً والمتهيِّب جداً في مواجهة العواصف السياسية، التي قد تتحوَّل في بعض الأحيان إلى أعاصير، ولا عاصمة في المنطقة أو في العالم قادرة على مد يد المساعدة له، باستثناء قلة قليلة، في وقت تبدو العواصم منهمكة بنفسها.