التفاؤل شيء والمبالغة فيه شيء آخر. وقد تجاوز لبنان أزمة عاصفة بأسلوب طغت عليه الايجابية والحكمة خلافا للعادة، إذ كان المتّبع في السابق اتخاذ المواقف السلبية في النزاعات السياسية الداخلية، وتغليب النزق على التعقل، إلاّ نادرا. وفي الحالتين كانت الطبقة السياسية تمثل انعكاسا لعقلية القيادة الحاكمة. وهكذا عرف لبنان الحالتين وتلقى آثارهما السلبية أو الايجابية. واليوم يعيش لبنان مرحلة انتقال من حالة كما تكونوا يولّى عليكم الى حالة الناس على دين ملوكهم! ومعنى ذلك، ان القيادة في لبنان عندما كانت تفتقر الى بعد النظر والعمق في الرؤية وتتصرف بنزق، انزلقت الطبقة السياسية الى هذا النوع من التهاتر والانقسام والتنابذ. أما اليوم، وبوجود قيادة حكيمة، فانها عكست اشعاعها على الطبقة السياسية وعلى المجتمع اللبناني ككل! وهكذا أمكن تجاوز عصف استقالة الحريري ليس فقط بأقل قدر من الأضرار، بل وبتحقيق مكاسب لم تكن في الحسبان!
***
هذا النوع من الاستنتاج يعكس نوعا من التفاؤل فقط، ولكن لا يجوز الانزلاق الى المبالغة في التفاؤل! وما انتهى هو أزمة واحدة درامية طارئة لم تكن تخطر على بال أحد، وانتهت بأسلوب درامي كما بدأت وان بنهاية مفرحة! ولا يزال لبنان يواجه سلسلة من الازمات الثقيلة في الداخل اللبناني، والمعقدة على المستوى الاقليمي! غير ان هذا الانفراج الموقت يفسح في المجال أمام مرحلة قصيرة من الهدوء من التعاون والتضامن الداخلي تساعد على الوصول الى استحقاق اجراء الانتخابات النيابية المقبلة بعد أشهر قليلة، وهذا كل ما يحتاجه لبنان! وأيا تكن المخارج التي سيتم الوصول اليها لاحقا، ويتم تكريسها دستوريا، فان فترة الصلاحية الخاصة بها لا تتجاوز تاريخ اجراء الانتخابات النيابية. وبهذا المعنى فان حلول هذه الأزمة الطارئة ليست أكثر من مسكّنات لوجع مصدره اقليمي وخارجي! وحتى لو نجح لبنان بتنفيذ النأي بالنفس بصدق وشفافية، فان المشكلة المعقّدة تبقى هي نفسها، ومستمرة الى أجل غير مسمّى! ذلك ان المشكلة الحقيقية وأمّ الأزمات، ليست في أن ينأى لبنان بنفسه عن الآخرين، بل هي حصرا في أن ينأى الآخرون بأنفسهم عن لبنان! ولن ينجح النأي بالنفس إلاّ اذا كان متبادلا!