Site icon IMLebanon

سيلفي وفلسطين خلفي.. 1916 – 2016

 

الأيام والأسابيع القادمة ستطوي في منطقتنا قصص شعوب وتجارب وطنية وقومية ودينية، ودول وثورات وإبداعات وحروب واحتلالات وأحزاب ونضالات ومعاهدات سلام وممانعات، ومعها فكرة الكفاح الشعبي المسلّح والتي تلفظ أنفاسها الأخيرة الآن في شوارع سوريا والعراق واليمن وغير مكان.

لقد قرّر الكبار الآن تظهير الشرق الأوسط الجديد، وليس بالضرورة الجميل، كما خطّطوا له منذ حلف بغداد وأحداث ٥٨ في لبنان، بعد أن اخترعوا له أزمات وأدوات. وهذا الحديث ليس أمنيات أو تنبّؤات، انه المعلن من زيارة كيري الى روسيا وتفاصيل العمل العسكري المشترك بينهما ومعهم التحالف الدولي من ٦٤ دولة ضد داعش، وبعدما قرّر أوباما عودة أميركا الى الميدان العراقي ليقود عملية سقوط الموصل عاصمة دولة داعش، مما يستدعي عملاً عسكريّاً موازياً في سوريا لاجتياح كل الأراضي التي تحتلّها داعش وأخواتها في سوريا والعراق وربما في أماكن أخرى.

لا داعي للحديث الآن عن توازنات الميادين السورية والعراقية واليمنية والليبية، لأنّ المنطقة قادمة على ما يشبه عملية اجتياح لبنان عام ٨٢ والتي أنهت وجود المنظمات الفلسطينية والتنظيمات اللبنانية الحليفة والمعادية لها خلال ايام. بعدها لم نعد نسمع بكلّ ما تحكّم بالواقع منذ العام ٧٥ حتى العام ٨٢. يومها انتهت الحقبة الأولى من فكرة الكفاح الشعبي المسلّح في لبنان.

بدأ التأسيس لما بعد الحرب العالمية القادمة بدءاً من انعطافات تركيا باتجاه اسرائيل وروسيا، كونهما القوّتين القادرتين على التحكّم بمسارات النزاع. ثمّ جاءت المبادرة المصرية لإقامة الدولة الفلسطينية بالتزامن مع المبادرة الفرنسية لنفس الأهداف، ثم زيارة وزير الخارجية المصري الى اسرائيل والحديث عن لقاء قد يجمع نتنياهو ومحمود عباس في القاهرة بحضور مصري وأردني، أي اجتماع للقوى الموقّعة على معاهدات السلام مع اسرائيل، وهي كامب ديفيد المصري ووادي عربة الأردني وأوسلو الفلسطيني، والحديث عن إعلان اسرائيل قبولها بمبادرة بيروت للسلام ٢٠٠٢.

أعتقد أنّنا عشيّة نهاية دولة داعش وقيام دولة فلسطين ونهاية فكرة الكفاح الشعبي المسلّح التي استوطنت في بلادنا عقوداً طويلة، من حرب فلسطين الى العدوان الثلاثي، وحرب حزيران، وحروب لبنان، وحروب الحرب الباردة والأحادية والحرب على الاٍرهاب وسقوط بغداد، الى عسكرة الربيع العربي. ولأنّ الحديث يطول في هذا المجال، فلا داعي الى ردّات الفعل على الأحداث القادمة والتطورات، بل علينا التفكير في الفعل وصناعة الاستقرار، وتغيير ثقافة الموت بثقافة الحياة، وثقافة الدمار بثقافة الإعمار، وتحدّيات ما بعد النزاع التي تأهّلت لها بيروت قبل عشرين عاماً.

الأسابيع القادمة ستكون شديدة الهول، وستشهد المنطقة الحرب العالمية على الارهاب، الذي بدأ بعد الثورة العربية الكبرى عام 1916 مع سقوط دولة الخلافة العثمانية وبداية إرهاب المنظّمات الصهيونيّة وسايكس بيكو ووعد بلفور، وحتى عام 2016 مع «نيس» وبداية سقوط دولة داعش.

سنشاهد نهاية واقع استمرّ مئة عام بالتمام والكمال، خسرنا فيه كلّ ما ورثناه وما جنيناه وما ستجنيه الأجيال القادمة. وعلى الجميع أن ينسوا كل ما تعلّموه من مهارات قتالية وخطابية وإعلامية ووجدانية وعاطفية، وخيبات ونكسات واحتلالات وولاءات واستتباعات وأوهام. سنعيش أياماً أشبه بالضياع، لا نستطيع فيها تحديد الاتجاهات.

إنّه الشرق الأوسط الجديد الذي يقوم على أجسادنا وتاريخنا وتراثنا الذي أضعناه.

الأيّام القادمة سنشهد سقوط دولة داعش وبداية قيام دولة فلسطين في مكان ما. وأنا لست سعيداً، لكنّها سيلفي وفلسطين خلفي!