حملت زيارة نائب وزير الخارجية الاميركية لشؤون الطاقة آموس هوشتاين من حيث الشكل والمضمون المتصل بموضوع ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل في ملف النفط في البحر تفاؤلا حول الوضع الراهن وحول المستقبل القريب يفتقده اللبنانيون، انطلاقا من ان الوضع السياسي بكل تفاصيله اليومية يثقل عليهم الى حد كبير، فضلا عن المخاوف مما يجري في المنطقة وانعكاساته المحتملة على لبنان. لا بل ان الزيارة من حيث توقيتها بدت محفزة في حد ذاتها على هذا الصعيد اضافة الى كلام نقل عنه بالذات اكد فيه عدم تشاؤمه بالنسبة الى الوضع في لبنان، بل على العكس من ذلك أبدى ثقة في امكان عبور لبنان العقبات المحيطة به. اذ ان حضه الحكومة على حل الخلافات الداخلية من اجل اصدار المراسيم ومحاولة اللحاق بالتطورات العالمية في موضوع الغاز ودخول اللعبة بسرعة وعدم المماطلة اكثر مما حصل حتى الآن، كما جاء في حديثه الى ” النهار” بدا معبرا عن ثقة ضمنية بان الوضع في لبنان سيبقى آمنا ومستقرا نسبيا بحيث يجدر تشجيعه على المضي قدما من اجل الاتفاق على استغلال مصادره وموارده بغضّ النظر عن امكان ان تجد دعوة الديبلوماسي الاميركي صدى ايجابيا ام لا في المدى المنظور. وهو امر غير مرجح باعتبار ان سلفه السفير فرديريك هوف ترك وراءه قبل مغادرته مهمته في الخارجية الاميركية التوصيات نفسها تقريبا انطلاقا من ان خلافات الحكومة يمكن ان تزيد سنوات اضافية على السنوات المتوقعة لبدء حصول لبنان على نتائج لاستثماراته النفطية. وهذه الخلافات كانت موجودة واستعرت اكثر بما يرشح مع امكان حصول تطورات اكثر في ملف النفط قبل ان يخرج لبنان من ازمته ويتفق افرقاؤه على بدء استثمار هذا الملف الحيوي. لكن المغزى في مضمون الزيارة انه كان سيكون متعذرا بالنسبة الى واشنطن خوض وساطة بين لبنان واسرائيل في موضوع النفط في البحر لولا ان ثمة ثقة بان الوضع الداخلي متماسك الى حد ما ويمكن ان يكون اكثر فاعلية وتماسكا.
قد يكون هذا التفاؤل بالنسبة الى البعض في غير محله اعتقادا منهم بأن الرؤية من الخارج هي غير المعاناة اليومية من الداخل والمنطقة. الا ان هذا الانطباع يشارك فيه بعض السفراء ممن يستعدون الى مغادرة لبنان نهائيا الى مراكز اخرى . فهم يرون ان الوضع لا يزال يحمل في نواته عوامل تفاؤل وامكان نجاة لبنان من الاهوال في محيطه، انما اذا احسن اللبنانيون ادارة مشاكله التي لا تعود كلها في اساسها الى الخارج. ولعل نظرة الى التطورات الدرامية في المنطقة تعطي فكرة عن التفاؤل الذي لا يزال يساور هؤلاء ازاء الوضع اللبناني خصوصا في ضوء الضربات الارهابية التي استهدفت اكثر من عاصمة او بلد في المنطقة وصولا الى مصر اخيرا، على رغم انه لا يمكن القول ان الوضع المصري كان مرتاحا. ويكرر هؤلاء ان احدا لم يكن يعتقد ان لبنان يمكن ان يبقى سالما مع الحرب المدمرة التي تلتهم سوريا تحديدا. لكن الامور تبقى رهن تحصين هذا الوضع والاستمرار في رعايته وهو ما يتحمله افرقاء الداخل بقوة اكثر من اي طرف خارجي.
هل الاطمئنان الى هذا التفاؤل او الى ما يتردد عن مظلة دولية هو الذي يمنح بعض الافرقاء ترف الذهاب الى تعطيل المؤسسات الدستورية باعتبار ان كل التفاصيل الداخلية اليومية ليست لها امتداداتها واسبابها الخارجية؟
قد يكون الامر كذلك الى حد ما، لكن لا ينبغي الدفع بالامور الى حافة الهاوية، علما ان الاطمئنان الاكبر هو الى وجود جيش متماسك وقادر يلقى دعم الجميع واحترامهم في الداخل والخارج مع وجود استعداد خارجي لمدّه بالمساعدات اللازمة، وهو عامل يصر عليه جميع السفراء، كما الى وجود حوار الحد الادنى بين المجموعتين السنية والشيعية ما من شأنه ان يوفر على لبنان امتحانات او تحديات قاسية عملا بما يجري في المنطقة، خصوصا ان التحديات التي يواجهها لبنان ليست قليلة، ان من خلال العدد الهائل من النازحين من دول الجوار او سوى ذلك. ولا يخفي هؤلاء ملاحظتهم ان التصعيد السياسي يقع في غالبيته في الوضع الراهن في الملعب المسيحي لاعتبارات مختلفة تتصل بعدم التوافق بين المسيحيين انفسهم حتى الآن على مبدأ الرئيس التوافقي او على شخص الرئيس الذي يتعين انتخابه بحيث استدرج ذلك تعطيلا طاول مجلس النواب ومجلس الوزراء على حد سواء. وهو امر سلبي جدا يتحفظ عنه الجميع نتيجة وجود رغبة في بقاء لبنان فاعلا بالحد الادنى على الاقل وليس معطلا في هذه المرحلة من دون ان ينفي البعض اطمئنانا الى ان تعطيل مجلس الوزراء لن يدوم في ضوء المعلومات عن مجاراة قوى 8 آذار التيار الوطني الحر في مطالبه، لكن من دون اقتناع ومع انزعاج كبير من تعطيل مجلس الوزراء وعدم الرغبة في التضييق على الناس او عدم تمرير شؤونهم. وهو امر يخشى بعض هؤلاء الحلفاء ان ينعكس سلبا عليهم او الوصول الى خيارات يملك فيها الآخرون اوراقا للمساومة حين يحين اوان الاستحقاقات الجدية في ايلول اي موعد تعيين قائد جديد للجيش او التمديد لولاية القائد الحالي.