IMLebanon

مجلس الشيوخ: حل أو مشكلة.. كل الأمور عند السياسيين ستصبح مصيرية

 

تجربته 1926 – 1927 شلَّت الحياة الدستورية في لبنان فدمج في مجلس النواب!

 

جاء في المادة 22 من الدستور اللبناني: «مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي يستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية». وهذا النص ماخوذ من وثيقة الوفاق الوطني التي أقرت في الطائف في البند السابع من الفقرة الثانية تحت عنوان: «الإصلاحات السياسية».

 

اذاً، هل يشكل استحداث مثل هذا المجلس حلا للمعضلات السياسية اللبنانية، في ظل مطالبة طائفة معينة برئاسة هذا المجلس الذي يفترض الغاء الطائفية السياسية، فكيف تكرس الطائفية هنا، وتلغى في الرئاسات الأخرى ؟

وإذا سلمنا باستمرار العرف المعمول به بتوزيع الرئاسات على الطوائف وبالمناصفة، فكيف يمكن يمكن الاخلال بهذا الواقع؟.

وحسب وثيقة الوفاق الوطني، فان هذا المجلس « تنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية «، كيف يقتنع كثير من السياسيين بذلك، علما ان وثيقة الوفاق الوطني والتي تكرست نصا في الدستور في المادة 95 «على مجلس النواب المنتخب على اساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الاجراءات الملائمة لتحقيق الغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية «الى أن تقول في الفقرة ب – تلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والامنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقا لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الاولى فيها وفي ما يعادل الفئة الاولى فيها وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص اية وظيفة لاية طائفة مع التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاءة. فإذا كانت هذه المادة لم ترَ النور، حتى أن دورة مأموري اخراج لم يعين من فاز بها لأن عدد المسلمين الناجحين كان أكثر من المسيحيين، فكيف لا تصير التعيينات الأدارية أو الديبلوماسية او وظائف عامة من الدرجات الدنيا عند السياسيين من «القضايا المصيرية».

الى ذلك، فإن لبنان قد عرف تجربة مجلس الشيوخ الذي انشىء، بموجب الدستور اللبناني الصادر في 23 أيار 1926، وتم إلغاؤه بموجب القانون الدستوري الصادر في 17 تشرين الأول 1927، وضُمّ أعضاؤه لمجلس النواب. وبعد اتفاق الطائف، أبصر النور دستوريًا مع صدور القانون الدستوري رقم 18 بتاريخ 21 أيلول 1990 بموجب المادة 22.

السؤال الأساسي هو: لماذا إعادة إنشاء مجلس الشيوخ في لبنان؟ ما مدى حاجة النظام اللبناني لسلطةٍ تشريعية ثانية؟ هل استحداث مجلس الشيوخ في لبنان هو إجراء مؤسساتي يكمّل مؤسسات الدولة الدستورية، كما هو في معظم الدول ذات نظام المجلسَيْن، أم أنّ هناك وضعية خاصة تتعلّق بالكيان اللبناني، وبتركيبته المجتمعية ونظامه السياسي؟ وهل الواقع اللبناني يساعد على إنشاء مجلس للشيوخ؟

علما ان تجربة عام 1926 قد شلت الحياة الدستورية في لبنان، وانتهت بعد عام واحد.

التجربة المريرة

في العام 1925 اندلعت الثورة العربية الكبرى في سورية وامتدت الى لبنان، واندلعت المظاهرات في مختلف المدن السورية فانشغل بال الفرنسيين وتلبد الجو وتضاءل اهتمام المندوب السامي الفرنسي الجنرال سرايل في لبنان، وكان من اخر قراراته ان استبدل مندوبه ريمون برئيس غرفته المسيو سولومياك، وانصرف بكليته الى شؤون سورية الشائكة، ولما وصل الى دمشق استقبلته المدينة بتظاهرات صاخبه واحتل المتظاهرون بعض المخافر، وكادوا ينفذون الى المراكز الحكومية الحساسة، وبلغت الحماقة بالقائد المستهتر «ان امر بضرب المدينة على غير هداية، وسقطت الضحايا وساد الذعر، فقامت القيامة على تلك السياسة الخرقاء والاعمال الهمجية (حقائق لبنانية، ج1-بشارة الخوري).

دامت هذه الثورة «أكثر من سنة تكبد فيها الفرنسيون خسائر عسكرية ومادية كبيرة، وامتدت الثورة إلى لبنان، مما أدى إلى اضطراب الوضع السياسي والاقتصادي، اضطراباً شديداً في البلدين، وظهرت النقمة على أعمال رجال الانتداب في كل مكان، حتى في صفوف أصدقاء فرنسا، فرأت باريس أنه لا بدلها من نهج جديد تنتهجه يحول دون التدهور الكامل، فأقالت مفوضها السامي الجنرال سارايل، وأبدلته بمفوض مدني من أعلام البرلمان الفرنسي هو مسيو هنري دي جوفنيل، الوزير السابق، وعضو مجلس الشيوخ وأحد أصحاب جريدة «لوماتان» الباريسية الشهيرة». (50سنة من الناس، يوسف سالم، دار النهار).

نجح المفوض السامي الجديد في تهدئة الخواطر في سورية، بعد أن جال في المدن و القرى السورية، كما نجح أيضاً في التخفيف من وطأة الانتداب في لبنان، حينما نزل إلى مجلس النواب، وألقى خطاباً قال فيه: «ان عهد الاستشارات قد انتهى… وسأطلب من حاكم لبنان الكبير أن يدعو مجلسكم إلى دورة استثنائية يوضع فيها دستور للبنان» (50سنة مع الناس، يوسف سالم).

وبذلك تحول المجلس التمثيلي إلى جمعية تأسيسية، اختارت لجنة من أعضائها لوضع الدستور، برئاسة موسى نمور وعضوية: ميشال شيحا، شبل دموس، عمر الداعوق، يوسف الخازن، فؤاد أرسلان، يوسف سالم، جورج زوين، بترو طراد، روكز أبو ناضر، صبحي حيدر، يوسف الزين، جورج ثابت، وعبود عبد الرزاق، وقد اختارت هذه اللجنة ميشال شيحا مقرراً لها، فيما عينت سلطات الانتداب كلاً من شارل دباس والمستشار القانوني سيد سوشيه لمؤازرة هذه اللجنة.

وأثناء وضع نصوص الدستور، أثير الكثير من الجدل بين أعضاء اللجنة حول مسألة الطائفية، ويؤكد يوسف سالم أنه «حصلت مشاكل حادة بين شبل دموس وصبحي حيدر من جهة، وميشال شيحا من جهة أخرى. فدموس وحيدر أصرا على وضع نص يراعي الطائفية ويحدد على أساسها توزيع الوظائف في الدولة، أما شيحا فعارض هذا الرأي وقال إنه إذا كان قانون الانتخاب قد بني على التمثيل الطائفي، فلا يجوز وضع نصوص طائفية في صلب الدستور من شأنها أن تحدث انعكاسات سيئة على تطور البلاد ومستقبلها… واستغرق النقاش حول الطائفية وقتاً طويلاً، إلى أن رجحت كفة الطائفيين، فوضع نص المادة 95 من الدستور التي جاء فيها «بصورة مؤقتة والتماساً للعدل والوفاق تمثل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة وتشكيل الوزارة دون أن يؤدي إلى الإضرار بمصلحة الدول». (50 سنة مع الناس، يوسف سالم).

في 19 أيار أقر المجلس التأسيسي دستور لبنان، وفي 23 منه أعلن المفوض السامي هنري دي جوفنيل الدستور، ووضعه موضع التنفيذ فوراً.

وأصبح للبنان للمرة الأولى في التاريخ دستور بالمعنى الحديث لهذه الكلمة، وقد لحظ الدستور آنئذ وجود مجلسين: واحد للنواب وآخر للشيوخ مؤلف من 16 شيخاً برئاسة الشيخ محمد الجسر.

وبهذا تحول المجلس التأسيسي إلى مجلس للنواب، كما عين دي جوفنيل بقرار 16 شيخاً، وفي 26 أيار 1926، دعي المجلسان إلى مجمع نيابي لانتخاب أول رئيس للجمهورية، فانتخب ناظر العدلية آنئذ شارل دباس الذي اختاره المندوب السامي الفرنسي، لمدة ثلاث سنوات. (حقائق لبنانية، ج1، بشارة الخوري).

بعد مضي نحو عام، كشف الاختبار العملي مواطن الضعف في الدستور، وأظهر نقائص التنظيم الجديد، وكان من أبرز هذه النقائص التوتر الشديد الذي ساد جو العلاقات بين مجلسي الشيوخ والنواب، وهكذا صارت القوانين تتراوح بين المجلسين، فيقر هذا المجلس قانوناً فيرفضه ذاك، مما هدد بشلل دستوري، وفي أوائل أيار 1927 بلغت الأزمة ذروتها باتخاذ مجلس الشيوخ الذي كان يضم أكثرية معارضة للحكومة، قراراً برفض التعاون مع كل حكومة يفوق عدد أعضائها ثلاثة وزراء، آنئذ كانت الحكومة سباعية، فاستقالت، لكن الحكومة الجديدة التي شكلت جاءت أيضاً سباعية، ونالت ثقة المجلسين، أما مجلس الشيوخ فلم يكف عن ممارسة أساليب الضغط لإحراج الحكومة، فتأخر البت بشأن مشروع موازنة العام 1927 تأخراً غير عادي، وكادت أعمال الدولة تصاب بالشلل والارتباك. (دستور لبنان، نصه، تعديلاته، تأليف شفيق جحا وودع شباط، بيت الحكمة، طبعة أولى 1968).

آنئذ قرر رئيس الجمهورية تعديل الدستور لإصلاح ما كان قد ظهر من خلل، وبالاتفاق مع المفوض السامي الفرنسي والحكومة عرض مشروع التعديل على المجلسين، كل على حدة، فأقراه، ثم عرض عليهما مجتمعين فأقراه في 17 تشرين الأول 1927 وكان ذلك أول تعديل أدخل على الدستور وأطوله، أما أهم الموضوعات التي تناولها هذا التعديل فهي:

1- إلغاء مجلس الشيوخ وحصر السلطة التشريعية بمجلس النواب وحده (المادة 16).

2- جعل أعضاء مجلس النواب فئتين: الأولى منتخبة وتشكل ثلثي عدد الأعضاء، والثانية معينة بمرسوم من رئيس الجمهورية وتشكل الثلث الأخير، وتقرر جعل عدد أعضاء المجلس النيابي 45 عضواً، واعتبر ضم أعضاء مجلس الشيوخ الملغى إلى مجلس النواب، بوصفهم النواب المعينين (المادة 24).

وهنا صار عدد أعضاء مجلس النواب 46 نائباً، بعد أن ضم إلى المجلس النيابي أعضاء مجلس الشويخ الـ16.

3- وجوب اختيار الأكثرية المطلقة في كل تشكيلة حكومية من أعضاء مجلس النواب (المادة 28).

4- تخويل رئيس الجمهورية حق حل مجلس النواب بموافقة الحكومة لأسباب محددة في النص الجديد (المادة 55).

5- تحميل الوزارة إجمالياً، تجاه مجلس النواب، تبعة سياسية الحكومة العامة، فضلاً عن المسؤولية الفردية التي كانوا يتحملونها عن أفعالهم الشخصية (المادة 66) الخ….

6- إدخال تغييرات هامة على المواد المتعلقة بتعديل الدستور والمواد (76-79).

7- منح رئيس الجمهورية حق نشر الموازنة بمرسوم إذا تأخر مجلس النواب عن إقرارها نهائياً في المدة القانونية المعينة (المادة 86).

بموجب التعديلات الدستورية الآنفة الذكر، حددت المادة 28 من الدستور عدد النواب الذين يمكنهم الاشتراك في الوزارة، فوجد المجلس أن ذلك اجحافاً بحق أعضائه من جهة، وحرماناً للدولة من مزايا بعض النواب من جهة أخرى، فبدت رغبة ملحة في تغيير هذا الوضع، ولهذا جرى التعديل الثاني للدستور في 8 آب 1929، وتناول هذا التعديل خمس مواد هي 28 و37 و49 و55 و69 أما أهم الأمور التي تناولها هذا التعديل فهي:

1- جعل أبواب الوزارة مفتوحة لكل من كان جديراً بالوزارة من النواب أو من غير النواب، ومن غير أن يفرض هذا التدبير أي قيد عددي على الإطلاق (المادة 28).

2- سمح بتقديم طلب عدم الثقة بالحكومة في العقود الاستثنائية أيضاً (المادة 37).

3- جعل مدة ولاية رئيس الجمهورية ست سنوات بدلاً من ثلاث وهي غير قابلة للتجديد إلَّا بعد انقضاء ست سنوات على ولايته.

ولم يستفد الدباس من هذا التعديل (المادة 49).

4- أصبح حق رئيس الجمهورية بحل مجلس النواب مطلقاً بعدما ألغي التعديل الذي كان يجيز الحل في ثلاثة أحوال محددة (المادة 55).