لاحظ المُتابعون لما جرى تسميته «الحراك الشعبي» أو «الحراك المدني» تزايد وتكاثر أعداد الجمعيّات التي تنشط في الشارع، تحت تسميات وعناوين مُختلفة، حيث أضيف إلى كل من مجموعات «طلعت ريحتكن» و«بدنا نحاسب» و»جايي التغيير» لائحة من الأسماء الجديدة التي تُحاول حجز مقعد لها ضمن الحراك الشعبي المُرشّح للإستمرار في الأيّام والأسابيع القليلة المُقبلة. ولم تعد المسألة مُقتصرة على وزير أو نائب سابق يُحاول تزعّم الحراك، ولا على سياسي خارج النشاط منذ مدّة أو على حزبي مطرود يُحاول العودة إلى الضوء، ولا حتى على هيئة أو جمعيّة تُحاول حجز مقعدها في جنّة السلطة الموعودة عند «سُقوط النظام» أو هكذا تتوهّم، بل صارت المسألة عبارة عن حركة مشبوهة تملك التمويل وتضمّ العشرات من الناشطين المُتفرّغين الذين يُحاولون إستغلال النقمة الشعبية العارمة على الأوضاع العامة، بكل أبعادها السياسية والإقتصادية والإجتماعية، إلخ. لتوجيهها نحو أهداف بأجندات غير سليمة لهزّ الإستقرار الداخلي، تحت عناوين ومطالب إجتماعيّة بريئة.
وبحسب المعلومات المُتوفّرة إنّ «الحراك الشعبي» كان محطّ مُتابعة من قبل الأجهزة الأمنيّة اللبنانيّة الرسميّة من بداياته، لكنّه أخذ أخيراً إهتماماً مُضاعفاً، مع ملاحظة وُجود «أياد خفّية» تقوم بتوجيه التحرّكات الميدانيّة، وبتنسيق العمل في ما بينها، وبوضع الخطط الأكثر تأثيراً لها. وبحسب مصدر أمني رفض الكشف عن إسمه، فإنّ قراراً أمنيّاً كبيراً إتخذ في الأيّام القليلة الماضية لكشف المُحرّكين لهذه التظاهرات، بدءاً من الجهة التي تُعطي الأوامر، مروراً بالجهة أو الجهات التي تُموّل، وبالناشطين الذين يُنسّقون التحرّكات الميدانية في الشوارع. وأوضح أن ما حصل بالأمس قبل إنعقاد جلسة الحوار، وبالتزامن معها، وبعد إنتهائها أيضاً، يصبّ في خانة تنفيذ هذا القرار الأمني الكبير. وأوضح أنّ عناصر إستخبارات رسميّة بلباس مدني تحرّكت أمس بشكل مُتواز مع فرق مكافحة الشغب والقوى الأمنيّة الأخرى لتوقيف أكبر عدد ممكن من «القادة المَيدانيّين» للتحرّكات بمجرّد قيام أيّ منهم بأي عمل إستفزازي أو تخريبي، وقد إقتيدوا إلى غرف التحقيق الذي لا يزال مفتوحاً على مصراعيه، وذلك في إطار الخطة الإستباقيّة التي وضعت لمنع جرّ لبنان إلى دوّامة عنف جديدة، يُمكن التنبؤ ببدايتها لكن لا يُمكن التكهّن بنهايتها!
ولفت المصدر نفسه إلى أنّ السلطات الأمنيّة المعنيّة نبّهت المسؤولين السياسيّين إلى مخاطر ترك الأمور تتصاعد في الشارع من دون أي ضوابط، بعد التأكّد من دخول الكثير من الجهات والأطراف على خط «الحراك الشعبي»، إضافة إلى أجهزة إستخباريّة عربيّة وأجنبيّة، وحتى إلى بعض العناصر الذين يأتمرون بخلايا إرهابيّة. وأضافت أنّه بعد أكثر من إجتماع داخلي بعيداً عن الأضواء، تقرّر الشروع في التعاطي بشكل مُختلف مع المُتظاهرين والتظاهرات بشكل عام، لجهة ترك المواطنين الأبرياء وغير المعنيّين بأيّ خلفيّات، التعبير عن رأيهم بل حرّية، لكن وفي الوقت نفسه التعامل مع أيّ مُحرّض على الشغب أو على تعطيل الحياة العامة والخاصة بشكل مختلف عن السابق. وتابع المصدر عينه أنّ الأولويّة هي لكشف المُقرّرين الفعليّين للحراك، ومموّليه الفعليّين أيضاً، لمحاولة كشف الأهداف المنوي تنفيذها على الساحة اللبنانيّة.
وشدّد المصدر الأمني نفسه على أنّ لا حاجة إطلاقاً لإعلان أي نوع من حالات الطوارئ، أو لمنع تنظيم التظاهرات والإحتجاجات الشعبيّة بالمطلق، حيث أنّ الأمور لا تزال مضبوطة إلى حدّ كبير. لكن القرار إتخذ بعدم السماح لأي جهة عربية أو أجنبيّة أو حتى داخليّة بأخذ الأمور إلى لبنان إلى الفوضى الشاملة أو إلى مرحلة اللاإستقرار، لأنّ من شأن هذا الأمر أن يتحوّل إلى كرة ثلج تكبر مع الوقت، لتجرف معها حال الهدوء النسبي الذي لا يزال ينعم به لبنان، مع بعض الإستثناءات المُتفرّقة التي لا قيمة لها إذا ما قُورنت بما يحدث في كثير من الدُول المجاورة.
وبالنسبة إلى النتائج التي كشفتها أولى التحقيقات، رفض المصدر الأمني الخوض بأيّ تفاصيل، لكنّه أكّد أنّ بعض التحرّكات عفوية وأخرى غير ذلك على الإطلاق. وقال إنّه بالنسبة إلى التحركات العفويّة فهي محض محلّية ولها خلفيّات شخصيّة في بعض الأحيان أو مصالح سياسيّة وإجتماعيّة ضيّقة، مشيراً إلى أنّ لا مُشكلة إطلاقاً مع هذه الفئة من «الحراك الشعبي» حيث لها كل الحرّية بالتعبير عن نفسها وبرفع الشعارات التي تريد، شرط عدم تعكير الإستقرار العام للخطر أو عرقلة حرّية الناس على التنقّل. وأضاف: «أمّا بالنسبة إلى التحركات التي ثبت أنّ لها إمتدادات سياسيّة لخلايا إرهابيّة أو لجهات خارجيّة مُموّلة، فإنّ التحركات بشأن الناشطين المُتورّطين فيها تتوسّع، لتحديد الدوافع والأهداف بدقّة».
وختم المصدر الأمني بالتشديد أنّه في إنتظار جلاء صورة التوقيفات الدَوريّة التي تتم إثر كل موجة جديدة من موجات الشغب في الشارع، يتمّ التقدّم خطوة إضافية نحو ربط خيوط ما يُحاك لهز الإستقرار الداخلي، ويتم أيضاً على خط مواز التقدّم خطوات لإفشال هذا المُخطّط الذي تحاول جهات مشبوهة تمريره داخل الساحة اللبنانيّة تحت عناوين سياسيّة وإقتصادية وإجتماعيّة تُدغدغ مشاعر البيئة الفقيرة من الشعب اللبناني بالدرجة الأولى، وجزء من البيئة المُثقفة أيضاً والتي ترفض الإنقياد الأعمى وراء زعامات لم تنجح في المسؤولية التي أنيطت بها.