Site icon IMLebanon

كلامان كبيران لا يتناقضان

 –

يبدو في الظاهر أن هناك تناقضاً كبيراً بين كلامين صادرين عن المرجعية الروحية المسيحية الأولى في لبنان، وعن قيادة مسيحية كبيرة. فقد ألقى غبطة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عظة قداس عيد القديس  شربل في دير عنايا وقال فيها ان النواب يحرموننا من رئيس للجمهورية ويشّرعون الأبواب أمام الفوضى والفساد في المؤسسات… أي ان عدم وجود رأس للدولة أدى ويؤدي الى استشراء الفوضى والفساد في المؤسسات والإدارات.

وفي المقابل قال رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعحع ان لبنان بألف خير ومصير المسيحيين بأحسن حال. وأضاف شارحاً: »بعض الذين يتساءلون عن مصير المسيحيين وكأن هؤلاء البعض لم يسمعوا أبداً عن تاريخ أجدادنا وما عانوه لزمن طويل واجتازوه بكل شجاعة وصبر حتى وصلنا الى ما نحن عليه اليوم (…).

طبعاً لم يكن رئيس القوات يعبّر عن ارتياحه الى الوضع الناجم عن الفراغ الرئاسي، إنما اراد أن يشجع اللبنانيين عموماً والمسيحيين بالذات على التشبّث بالأرض والتمسك بالتراث الذي بناه الأجداد بالتضحيات الكبيرة حتى وصلنا الى ما نحن فيه، كلبنانيين عموماً… وبالتالي هو رسالة حضّ على التفاؤل بالمستقبل.

من حق غبطة البطريرك أن يعبّر عن قلقه الشديد من الحال التي وصل إليها لبنان في ظل الفراغ الرئاسي المتمادي. وهي حال سبق للدكتور جعجع أيضاً أن حذّر منها غير مرة، بل باستمرار. إلا أن الرجل يلتقي مع العماد ميشال عون على نظرية عدم ملء الفراغ بالفراغ. وهي نظرية قد لا يلتقي الكثيرون فيها مع القطبين المسيحيين الأبرزين… ولكن الرجلين يصرّان عليها ويبدو انهما توصلا الى نتيجة ان هذه القوة لا يمكن أن تتحقق إلاّ بوصول احدهما الى سدة الرئاسة.

الى أي مدى هذه النظرية دقيقة؟

الجواب يخضع للكثير من الإجتهادات والتفسيرات والشروحات التي يأبى البعض أن يستمع اليها، ويأبى البعض الآخر أن يأخذ بها… إلاّ أن هناك جمهوراً كبيراً (من المتحازبين والمؤيدين والأنصار للتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية) يؤمن بها.

وفي تقديرنا، على صعيد شخصي، أنّ قوة المسيحيين أو ضعفهم تتأثر من دون أدنى شك بمن يكون في كرسي الرئاسة. إلاّ أن ثمة عاملاً آخر هو في آن معاً مقدار قوة وحال ضعف، ألا وهو إنتشار المسيحيين على سائر مساحة العشرة آلاف واربعماية وخمسة وعشرين كيلومتراً مربعاً، على عكس اخوانهم في المواطنة المسلمين الذين ينحصر وجودهم المادي في أماكن بعينها معروفة. فقلّما وجدت مدينة أو بلدة أو قرية في لبنان خالية من المسيحيين، من الناقورة الى النهر الكبير. وهذا يجعل »بلوكاتهم« محدودة عدد السكان، إضافة الى ما فعلت بهم الحال الإجتماعية التي تختلف عمّا هي عند اخوانهم المسلمين خصوصاً من حيث التكاثر… ناهيك بالهجرة التي باتت اليوم شمولية للأطياف اللبنانية كلها.

وهذا شأن آخر يحتاج الى معالجة على حدة.