IMLebanon

فصل من الفضيحة اليومية

لم يُخيّب نجوم الإعلام الجماهيري العرب ظن مشاهديهم ومتابعيهم على التلفزيونات ومنصات التواصل الاجتماعي. لقد جددوا أثناء محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا إعلان الوفاء لتاريخ صحافة الأنظمة العربية وممارساتها وتقاليدها.

إضافة إلى الصحف الرسمية التي تشاركت، في مصر على سبيل المثال، في وضع عنوان واحد للحدث التركي يصحّ وصفه بالفضيحة المهنية، تسلحت المحطات الفضائية بمجموعة من المحللين الاستراتيجيين الذين «بشّر» واحد منهم بعد أقل من ساعتين من بدء المحاولة «أهلنا في مشارق الأرض ومغاربها» بقرب زوال طغيان رجب طيب أردوغان وانبلاج فجر الحرية في هذه المنطقة. المحلل ذاته لم يرَ ضرورة للاعتذار بعد فشل الانقلاب بل أصر في مقالة له في اليوم التالي على نجاحه.

لا أهمية للمستوى المتردي من الكلام الذي عبّر فيه إعلاميون وسياسيون عن ابتهاجهم بالانقلاب التركي ولا قيمة، كذلك، لمسارعة المبتهجين ذاتهم بعد سويعات إلى اتهام أردوغان بتدبير المحاولة الفاشلة لتشديد قبضته على السلطة عبر ضرب المؤسستين العسكرية والقضائية التركيتين الواسعتي النفوذ. ذلك أن نجوم الإعلام والسياسة في بلادنا يقولون ما يُطلب منهم قوله أو في أحسن الأحوال يتكهنون، فـ»يستمعون إلى صوت معلمهم»، على غرار ما يظهر في صورة إعلان شركة تسجيلات قديمة. المهم أن يبقى الصوت ملعلعاً والصورة براقة سواء كانت المناسبة عرساً أو مولداً أو مأتماً.

من نافل القول أن حرية التعبير ينبغي أن تظل مصانة ومضمونة بغض النظر عن الموقف من سياسات أردوغان وشهوته التي لا تُحد إلى السلطة، مع ما يجره ذلك من انتكاسات في ملفات حقوق الإنسان وتسوية القضية الكردية والعلاقات مع الخارج. ثمة العديد من المقالات الرصينة التي تناولت هذه الأوجه بالنقاش والتحليل ووضعت احتمالات واقعية لمصير التجربة الديموقراطية التركية تنطوي على تحذيرات من الانزلاق إلى المزيد من التضييق على الحريات العامة والفردية وسيادة القانون.

المشكلة تكمن في مكان آخر. إنها في امتناع نجوم الإعلام العربي عن أداء مهماتهم كمتعاطين في الشأن العام وصناع رأي بما يتطلب منهم حداً أدنى من الموضوعية ومن التأني في قراءة الأحداث. لا يتطلب هذان التأني والموضوعية ثقافة واسعة أو إحاطة شاملة بالتاريخ السياسي التركي (وهما غائبان، لا ريب في ذلك، عمّن صاح على الشاشات فرحاً بسقوط «السلطان»). والأنكى أن «الخبراء والمحللين الاستراتيجيين» شاركوا نجوم الإعلام الرقص في فرح الانقلاب من جهة، وفي كيل الاتهامات إلى أميركا وإسرائيل وروسيا وإيران بتدبيره، من جهة ثانية، قبل أن يتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود. وبعد اختفاء صوت الرصاص، ظل الجميع على مواقفه فلا اعتذار ولا توضيح للمشاهدين والقراء ومتابعي مواقع التواصل الاجتماعي من أي من الشامتين والشاتمين.

ومرة جديدة تثبت استحالة تغيير الفهد لبُقَع جلده وتبعية بعض الإعلام العربي لمموّليه ولأجهزة الاستخبارات التي تحركه وللقوى المشرفة على نشرات أخباره وبرامجه السياسية. ربما يتعين الإبطاء من «سرعة البديهة» أثناء تغطية الأحداث الجارية ما دامت المطالبة برفع مستوى ثقافة بعض الإعلاميين و»الخبراء الاستراتيجيين» متعذرة. مفهوم أن هذا الطلب لن يجد من يهتم به ما دام الممول وضابط الارتباط هما من يقرر ما يُقال ويُكتب، وما دامت الفضيحة اليومية لبعض الإعلام العربي مرتبطة بانحطاط يكاد يقضي على ما تبقى من هواء قابل للتنفس.