IMLebanon

فصلُ الوزارات… لتعزيزِ الإنتاجية أم لضروراتِ المحاصَصة؟

 

لا شكّ أنّ رئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري يعاني من آفةِ «الجشع التوزيري» لدى غالبية الجهاتِ السياسيّةِ في لبنان، إضافةً إلى «ضرورة تمثيل الجميع» تحت رايةِ الوحدة الوطنية، فضلاً عن تمثيل الطوائف كافةً. وبما أن لا تَوازي بين العَرض والطلب الوزاريَّين، وعينُ كلّ طرف على حصّة الآخر من ناحية الكمّ والنوع، ولا أحدَ يقبل أن يكون «ناس بسمنة وناس بزيت»، والجميع يريدون وزاراتٍ سياديّةٍ وخدماتيّةٍ دسِمةً و»مدهنة»… فإنّ زيادة هذا النوع من الوزارات قد يكون حلّاً يفيد الحريري لتذليلِ عقباتِ «تكبيرِ الأحجام والأحلام»، وإمرارِ حكومته بلا ارتطامات قاضية.

تؤلّف الحكومات في لبنان بإصدار مرسوم يوقّعه رئيسا الجمهورية والحكومة اللذان يحدّدان عددَ الوزارات نوعاً وكمّاً وكذلك عدد الوزراء الذي لا يحدّده الدستور. ويرى البعض أنّ الاعتباراتِ السارية في تأليف الحكومات وزاراتٍ ووزراء، إنما هي سياسية إرضائية مُنطلقها المحاصَصة لا الضرورات التقنية.

بلا وزراء دولة؟
طرح الحريري تقسيمَ وزارات لـ»تعزيز عملها»، فتداول مع كُتلٍ نيابيّة في الفصل بين الوزارات، فتكون هناك وزارةُ نفط منفصلة عن وزارة الطاقة والمياه، ووزارةٌ للمغتربين منفصلة عن وزارة الخارجية. وفي حين قد لا يُواجه هذا الطرح مُمانعة، خصوصاً أنه يقضي باستبدال «وزارات الدولة» بوزاراتٍ ذات حقائب ضمن تشكيلة حكومية من 30 وزيراً من دون حاجة الى زيادة عدد الوزارات والوزراء، يرى البعض أنّ هذا التوجّه «تخلُّفي إغراقي»، وأنّ تعزيز عمل الوزارات يكون بتعزيز إنتاجية الإدارة وبالتركيز على وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، فهناك توجّهٌ في الدول الديموقراطية إلى خفض عدد الوزارات وتعزيز المواقع الإدارية المهنيّة، نظراً الى ضرورة التخصّص التقني والحاجة اليه في إدارة الوزارات.

وتقرّ مصادر تيار «المستقبل» بأنّ «هذا الأمرَ سيرتّب أعباءَ إضافية على صعيد المقار وغيرها من الضرورات، لذلك فإنّ الكلامَ عن فصل الوزارات وتقسيمِها مطروحٌ ضمن حكومةٍ من ثلاثين وزيراً، ولكن لم يُقَرّ بعد».

أمّا «القوات اللبنانية» فتوافق على هذا الطرح، وترى أيضاً أنّ عدداً من الوزارات يُمكن أن يتمّ فصلُه مثل وزارة الداخلية والبلديات، وذلك ليس لزيادة عدد الوزراء، فـ«القوات» يهمّها «التدقيق في الإنفاق وحصر النفقات».

وتشرح مصادر قواتية لـ«الجمهورية» أنّ «هذا الفصل لن يؤدّي إلى زيادة عدد الوزراء وتوسيع الحكومة، وإنما لتعزيز إنتاجية الحكومة يمكن تقسيم الوزارات والخلاص من «وزارات الدولة» التي لا لزوم لها ولا انتاجية».

ويبدو أنّ هذا الطرحَ يلقى قبولاً لدى جهاتٍ كثيرة. وتشير مصادر نيابية إلى أنّ مكاتبَ وزاراتٍ اعتُمدت في الحكومات السابقة ما زالت موجودة، ومنها مكتب وزارة النقل في مبنى «ستاركو». وترى على سبيل المثال، أنه لا يجب جمعُ كلّ الشؤون في وزارة الطاقة، أي البترول والغاز والمياه والكهرباء والصرف الصحّي، وأنّ من المنطقي توزيع العمل وتقسيم الوزارات فـ»شو بدو يلحِّق الوزير تيلحِّق».

وفي حين لم يتداول الحريري بعد مع حزب «الكتائب» في التشكيلة الحكومية العتيدة، استبق الحزبُ الولادة الحكومية، سالكاً الطريقَ نحو ساحة النجمة لقوننة فصل الوزارات، لا تركِه قراراً استنسابيّاً لرئيس الحكومة. لكنّ كتلة «الكتائب» حصرت اقتراحَ الفصل بوزارتين، إذ تقدّمت أخيراً باقتراحَي قانون الى مجلس النواب أحدهما يفصل وزارة «النقل» عن «الأشغال العامة» والثاني يفصل وزارة الداخلية عن «البلديات».

ويعلّل النائب نديم الجميل لـ»الجمهورية» سببَ تقديم الاقتراحين بفصل هاتين الوزارتين تحديداً دون غيرهما، بأنهما وزارتان كبيرتان كانتا مفصولتين أساساً وتمّ دمجُهما عام 2000. ويقول «إننا اليوم في حاجة لفصلهما ولحصرِ اختصاصٍ مُحدَّد في كلّ وزارة على صعيد الأشغال والنقل، كذلك على صعيد الداخلية والبلديات، فهناك 1060 بلدية في لبنان تتطلّب وزارةً خاصة للإهتمام بها بمعزل عن الشؤون الداخلية مثل الأمن والأحوال الشخصية. ويؤكّد أنّ «الوزير ما عم بلحِّق» في هذه الوزارة على هذين الشأنين الكبيرَين»، مشيراً إلى «أنّ مبنيَي كلٍّ من الداخلية والبلديات مفصولان أساساً».

ولا يرى الجميل أنّ هذا الفصل سيزيد التكاليف على كاهل الدولة اللبنانية، بل يعتبر أنّ المشكلة تكمن في عدم إنتاجية الوزارات، موضحاً أنّ تخصُّصَ الوزارة سيساهم في تفعيل عملها وبالتالي إنتاجيّتها. ويشير إلى أنّ هناك وزاراتٍ ومؤسّساتٍ غيرُ منتجة، لافتاً إلى وجود أكثر من 400 موظف في وزارة الأشغال العامة والنقل، يتقاضون رواتب من دون أن يعملوا.

ضرورة تقنيّة أم محاصَصة؟
قبل «اتّفاق الطائف» لم يشهد لبنان حكوماتٍ من 30 وزيراً، ونادراً ما ضمّت الحكومات في العهود الأولى، خصوصاً قبل اندلاع الحرب الأهليّة، وزاراتِ دولة، كما أنّ الوزير في الحكومة كان يتسلّم أكثر من حقيبة، إضافةً إلى تسلُّم رئيس الحكومة حقائبَ وزاريّة الى جانب ترؤسِه الحكومة، وبالتالي لم يكن يوازي عددُ الوزراء عددَ الوزارات في الحكومات.

كما أنّ هناك عدداً من الوزارات كان قائماً قبلاً وأُلغي، مثل وزارة التصميم، فضلاً عن وزاراتٍ كانت مجموعةً في وزارة واحدة، مثل «العمل والشؤون الاجتماعية»، «التربية الوطنية والفنون الجميلة» وكانت تضمّ الثقافة (مصلحة – فئة ثانية) والشباب والرياضة (مديرية عامة). ويُقال إنّ المعنيّين «كانوا في كلّ مرة يتفنّنون في تفريخ وزارات و»تفسيخ» أُخرى لهدف زيادة عدد الوزراء».

وقبل «إتفاق الطائف» كانت تتألّف حكومات من 16 أو 18 وزارة. والحكومة الأولى التي ضمّت 22 وزيراً كانت حكومة تقي الدين الصلح، في عهد الرئيس سليمان فرنجية، وضمّت 18 وزيراً بحقائب و4 وزراء دولة (الحكومة الرقم 48، تشكّلت في 8-7-1973). وسُمِّيت يومذاك «حكومة كل لبنان»، إذ كانت هناك حاجة سياسية لزيادة عدد الوزراء، وشُكّلت «ترضية» للكتل النيابية والأفرقاء السياسيين.

كذلك تألّفت حكومات عدة تضمّ 4 وزراء، و6 وزراء و8 وزراء. ويقول الوزير والنائب السابق المرجع الدستوري إدمون رزق، الذي شارك في حكومات عدة وفي صوغ «اتّفاق الطائف» لـ»الجمهورية»، إنّ «أيَّ توجّه لزيادة عدد الوزراء أو الحقائب الوزارية، يأتي من منطلق سياسي مُموّه بذرائع تقنيّة».

وكيف السبيل الى تفعيل العمل الحكومي؟ يجيب رزق «أنّ الحلّ يكمن في تخفيض عدد الوزراء ووضع اختصاصيّين في المواقع المناسبة في الإدارة لتأمين الإنتاجية الصحيحة». ويضيف: «في البلدان المتخلّفة وبلدان العالم الثالث يتهالكون على الألقاب، مثل لقب «وزير»، بينما الإنتاجية تتنافى مع هذا التوجّه.

وفي الدول ذات الأنظمة الديموقراطية هناك توجّهٌ منذ نحو نصف قرن الى تخفيض عدد الوزارات والوزراء. ولذا يجب تعزيزُ الإدارة لا تقسيم الوزارات، لأنّ مركز الوزير سياسيٌّ لا إداريٌّ».

ويؤكّد رزق أنّ «الحكومة الثلاثينيّة فضفاضة ومن نِتاج أنظمة العالم الثالث التي تعطي أولويّاتٍ للمظاهر والألقاب». ويقول: «على لبنان إعادة تصنيف نفسه، فهو يضع نفسَه أحياناً ضمن بلدان العالم الثالث، بينما نظامُ لبنان ديموقراطي ويُفترض به أن يقتدي بالأنظمة المتقدّمة لا تلك الرجعية المتخلّفة».

مَن يقبل بتقسيم حصّته؟
يرى البعض أنّ من أسباب توسّع الحكومات منذ بداية التسعينات والتساوي بين عدد وزرائها ووزاراتها، تبدُّل النظام اللبناني بعد التعديل الدستوري الذي جرى بعد دسترة «إتّفاق الطائف» لجهة تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية لجعلِ النظام برلمانياً فعلاً لا «شبه رئاسي»، إضافةً إلى إعطاء صلاحياتٍ أكبر لمجلس الوزراء مجتمعاً وإلزام رئيس الجمهورية بنتائج الاستشارات النيابية لتسمية الشخصية التي يكلّفها تأليفَ الحكومة، فضلاً عن خروج البلد من حرب طائفية طويلة والعمل على تعزيز «التوافق» وتبديد مخاوف الطوائف وهواجسها بإعطائها «حصّتها» التمثيلية..

إلّا أنّ رزق يؤكّد «أنّ «اتّفاقَ الطائف» حافظ على صلاحيات و»prestige» رئيس الجمهورية»، مشيراً إلى أنه «لا يُمكن صدورُ مرسوم تشكيل الحكومة بلا توقيعه، وبالتالي فإنّ جميعَ الوزراء في الحكومة من حصّته». ويلفت إلى أنّ الحكومة الأولى بعد «الطائف» ضمّت 14 وزيراً فقط، «وتسلّمتُ شخصياً فيها وزارات العدل والإعلام إضافةً إلى وزارة الاتّصالات بالوكالة، وذلك بعد بقاء وزيرَين في الخارج لنحو 6 أشهر بسبب الوضع الذي كان متوتّراً حينها».

رغبةُ الحريري فصل وزارات بعضها عن بعض إذا سلكت الطريق العملي، لا تكفي بمفردها وإنما مرهونة بموافقة رئيس الجمهورية عليها، فمرسوم تأليف الحكومة يصدر ممهوراً بتوقيعَي رئيسَي الجمهورية والحكومة (المادة 53 من الدستور، البند الرابع: يصدر رئيس الجمهورية بالاتّفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسومَ تشكيل الحكومة ومراسيمَ قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم). بعدها، قد لا يوافق مجلسُ النواب بدوره على هذه الصيغة الحكومية ولا يُعطيها الثقة حين تَمثل أمامه. أمّا في لبنان ما بعد «الطائف» فباتت الأطرافُ المُكوِّنة للمجلس النيابي هي نفسها المُكوِّنة لـ»حكومة الوحدة الوطنية الجامعة»، وتأليف الحكومة بحدّ ذاته بات يعني أنها حازت الثقة.

ولكن في ظلّ تشبّث كل فريق طائفي- سياسي بوزاراتٍ معيّنة، تحديداً السيادية منها، هل سيقبل الأفرقاء بفصل الوزارات التي يعتبر بعضُهم أنها باتت في «الجيبة»؟