بدأ سبتمبر (أيلول) الذي من أبرز معالم أيامه عودة التلامذة في دول الخليج المستقرة إلى مدارسهم التي استعدت لاستقبالهم أفضل استقبال، وأحدث برامج تساعد على نشأة أجيال تواصل البناء بعد التخرج والانتساب إلى أعمال ومهن وتخصصات.
مثل هذه العودة مغيبة عن الألوف من التلامذة في بعض الدول العربية التي أغرقتْها الحكومات في الفوضى والتعطيل والفساد وارتكاب كل ما يسيء إلى الوطن. من هذه الدول على سبيل المثال لا الحصر لبنان الذي أضاف أهل الحكم فيه إلى مأساة العيش المذل ونشوء متسارع لفوضى مجتمعية قد يؤسس عدم احتوائها لحرب أهلية غير متكافئة، مأساة التعليم المهدد بانكفاء مقوماته. فالمدارس الرسمي منها والخاص غير مؤهل. والكتاب المدرسي ليس متوفراً حيث لا وزارة طبعت، ولا وزارة أكدت أن الكهرباء والمياه ووسائل النظافة ستكون متوفرة، ولا وزارة تعهدت بأن الوقود للمدافئ في المدارس تم تحضيره وأن السيارات والأوتوبيسات ستنقل الطلبة من بيوتهم المطفأة فيها القناديل إلى المدارس، ولا المصارف ستفرج للمودعين بما يسدد أقساط المدارس ويلبي احتياجات من المتاجر الكبرى التي دخلت هي الأُخرى في الرمق الأخير.
وهذا ليس كل شيء، فهنالك مدارس ترتب أمورها على أساس الإقفال الاضطراري، ذلك أن الميزانية التقليدية لا تسمح بزيادة مرتبات مدرسين من الضروري زيادتها، وإلا فإن هؤلاء لن يحضروا ولن يلقنوا التلاميذ الدروس.
تلك ليست أزمة وإنما هي ضربة قاصمة للجيل الذي سيفقد الأمل في مستقبله، ما دام يعيش حاضره على النحو الذي لو أن القلم سيحكي حالاته البائسة لكان المداد جف قلماً بعد قلم.
هكذا يهل سبتمبر على تلاميذ لبنان، كما هلّت أشهر خمس سنوات مضت على الآباء والأمهات والأعمال، وأفرزت يأساً ما بعده يأس عند النخبة العلمية والطبية التي تركت الشهادات والبراءات والإشادات معلّقة على جدران المكاتب والعيادات والبيوت وغادرت يتحسر كل من أفراد هذه النخبة على وطن أرادوا رايته خفاقة، فجاء عهد وبكل ما أوتي من عدم احترام للذات والموقع ينكس الراية كلاماً ومزاجاً وارتهاناً، ويبقيها كواحدة من بضع رايات منكسة في العالم العربي.
ومن معالم سبتمبر أن الجمعية العامة للأمم المتحدة تنعقد في رحاب مقر المنظمة الدولية في نيويورك، التي باتت حاكمتها امرأة تصطف كممثلة للعاصمة التجارية العالمية الأميركية، إلى جانب المرأة الأُخرى كامالا هاريس نائبة الرئيس جو بايدن، وتصطف الاثنتان إلى جانب نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي. كأننا في حال شاءت الأقدار أن يصاب الرئيس بايدن المتوعك أفغانياً إلى جانب التوعك الصحي الطبيعي بفعل الإجهاد للذين تكابدهم استفزازات الحزب المنافس.. وهذه الحالة المرهقة قد تجعل الرئيس بايدن غير قادر على مواصلة الواجب الرئاسي، فنصبح تلقائياً أمام أميركا جديدة بثلاث هامات نسوية: رئيسة للجمهورية التي عاصمتها واشنطن. وحاكمة نيويورك عاصمة تجارة أميركا والعالم، ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي التي كثيراً ما شاكست الرئيس السابق ترمب، كما كثيراً ما تتطلع ضمناً إلى أن تكون ذات فرصة رئيسة للولايات المتحدة على نحو ما خاب أمل هيلاري كلينتون في ذلك.
وخلال سبتمبر، سيكون القدوم إلى نيويورك مزدهراً كما في كل دورة منذ الأُولى 10 يناير (كانون الثاني) 1946 وحتى الراهنة 21 سبتمبر 2021. ولقد اعتاد رئيس الدولة الأعظم الولايات المتحدة بسط هالته على الدورة السنوية غير العادية للجمعية العمومية، ويسعى حكام كثيرون يشاركون في اجتماعات الدورة إلى أن يعوضهم اللقاء بالرئيس الأميركي زيارات كانوا يأملون القيام بها إلى واشنطن. وهو من جانبه (أي الرئيس الأميركي) يغتنم المناسبة لكي يسجل مواقف لغرض في نفسه ولحسابات في سياسة إدارته كأن يتجاهل لقاء البعض أو يخص بعضاً آخر باهتمام نوعي.
هذه لفتات وتسجيل مواقف برع فيها الرئيس دونالد ترمب الذي بقي على نجوميته طوال أربع سنوات وتحققت له على المستوى القاري من خلال تلك القمة العربية – الإسلامية في الرياض يوم 20 مايو (أيار) 2017 التي أرادتها المملكة تسليفة اهتمام متميز بأمل أن يرد على هذا الاهتمام بمواقف حازمة إزاء قضايا عالقة، ومن شأن تسويتها جعْل المنطقة العربية أكثر استقراراً وانصرافاً إلى التنمية. ربما كان ترمب في وارد القيام بما هو متوقع منه وبحيث يأتي الرد على التحية بمثلها في الدورة الرئاسية الثانية. لكن سوء حظه غلب تمنياته. وها هو الرئيس الفائز جو بايدن مَن سيشارك في الدورة الأممية التي ستبدأ يوم 21 سبتمبر، إنما ليست حاله كما كانت عليها حال الرئيس المهزوم الذي يخطط لخوض السباق من جديد وقد، على نحو ما أسلفنا، ربما تكون المنافسة مع كامالا هاريس… الله أعلم.
وقياساً بالأحوال التي هي عليها الإدارة الديمقراطية المجللة بنكسة أفغانية تكاثر توجيه التوصيفات السيئة لها وبالذات من جانب ترمب و«جمهوريته» المتحفزة للانقضاض عندما تحين لها الفرصة، فإن الرئيس بايدن لن ينفرد بالنجومية في الدورة الأممية كما حال الرئيس ترمب. فالتداعيات الناشئة عن الحدث الأفغاني متتالية والشماتة به لا تقتصر على سلَفه، إذ هنالك ابتهاج بمغادرة أميركا بايدن هروباً من أفغانستان، مغلف ببعض الخبث لجهة التعبير عنه من جانب المتربصين بغرض اقتسام شأن العالم بالتساوي وهما روسيا بوتين وصين شي جينبينغ.
ولا نغالي إذا نحن افترضنا أن من بين نجوم الدورة هنالك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أضاف بزيارته التفقدية والودودة إلى العراق بجناحيْه العربي والكردي، المزيد إلى رقي زيارته قبْل ذلك إلى لبنان المدمى والمكسور الخاطر والزجاج والبنيان.
كما هنالك مصطفى الكاظمي رجل العراق المستقوي بالبصيرة والحنكة والثبات على النهج الذي في ضوء مضمونه كان ترؤسه للحكومة العراقية. ولا بد أن مجتمع الدورة الجديدة للجمعية العمومية للأمم المتحدة سيخصونه بالإعجاب على ثبات موقفه وقدرته على ترويض الجار الإيراني، بحيث يقلل إلى ما تحت درجة النصف من شهيته لالتهام القرار العراقي، وبحيث يعود إلى ما كان عليه في ظل أسلاف ترأسوا الحكومة العراقية، ولم يتمكنوا من تحقيق معادلة تجعل الشقيق العربي شريكاً مرحباً به في الحرص على السيادة العراقية، وتجعل الإيراني يحسر هامش تطلعاته الهادفة إلى احتواء العراق طائفة وسيادة، وتجعل الأميركي يبقى صديقاً بعد أن يخرج محتلاً ومن دون انتكاسة تشبه الأفغانية. وهذا الواقع بدا واضحاً لمجرد انعقاد قمة بغداد يوم 28 أغسطس (آب) 2021 التي كان مأمولاً أن تكون سوريا الدولة التي هي امتداد للعراق أرضاً وعروبة، من ضمن المشاركين في القمة التي نجحت لمجرد انعقادها. فما بين الاقتراح بعقدها ويوم الانعقاد كان التساؤل الأساسي: هل من الممكن عقْدها، ثم ما لبث المستحيل أن بات ممكناً. ومع الممكن نجاح ستبقى ملامحه ومعالمه في طيات التفاعل إلى حين. والله الهادي إلى سواء السبيل من لبنان إلى أميركا… حيث هنالك حاجة إلى الهداية.