Site icon IMLebanon

أيلول واستحضار اللبنانيين لمازوشيّتهم العبثية!

 

كعادتهم في مثل هذه الأيام من كل عام، يستعيد اللبنانيون ذكرى انقسامهم المرير على مفهوم الوطنية والعدو، من دون ان يختلف التاريخ المرير الذي يدعي الجميع تجاوزه، وحتى نسيانه، عن ذلك الذي يعيشه اليوم هذا الشعب المنقسم دوماً على نفسه.

 

تختصر تواريخ شهر أيلول التي يتعمد اللبنانيون كل عام، وخاصة في السنوات الاخيرة، استحضارها، كل ما يفرق بينهم اليوم.

 

ففي أحداث تعود بـ 39 عاما الى الوراء، في العام 1982، إنقلب قدر الكيان على نفسه أكثر من مرة. ففي ذلك الشهر احتُلت بيروت، العاصمة العربية الثانية بعد القدس. وفيه، اغتيل بشير الجميل، رمز الأمل والتراجيديا لدى كثيرين، والعمالة لغيرهم. وفيه، وهذا الأهم، وُلدت المقاومة العربية الاولى، والتي للدلالة، إتخذت شكلا وطنياً وقومياً وعلمانياً، خلال ساعات بعد اقتحام الاسرائيليين لبيروت سريعا بعد اغتيال الجميل في 14 أيلول، لتطردهم منها في 27 منه، ليشكل ذلك بداية العد العكسي لزمن نظّر كثيرون له لكونه «الزمن الإسرائيلي».

 

ومن دون الولوج في الاحداث الدراماتيكية التي تلت خلال حرب اللبنانيين الاهلية التي وضعت اوزارها في 13 تشرين الأول العام 1990 بعد عام على توصل اللبنانيين برعاية خارجية الى تسوية اتفاق الطائف، فإن مازوشية اللبنانيين تتبدى اليوم في كل لحظة عبر عدم الرغبة في نسيان الماضي والخروج من حروبهم الاهلية الساخنة حينا والباردة احيانا أخرى..

 

وفي هذا ما يؤكد بأن هؤلاء لم ولن ينسوا الماضي وسيذرفون دموع شهدائهم دوماً لرفد المستقبل بالمزيد من المآسي. فبعد تقديم مئات آلاف الشهداء، ولكل فريق «شهداء» على درب «المقاومة»، والجرحى والمفقودين الذين ذُرفت عليهم الدموع غزيرة، فإنهم لم يتعلموا شيئاً من تذابحهم الطائفي والمذهبي.

 

لا بل ان المأساة في كل لحظة تتمثل في ان اجيالهم الجديدة تبدو متمسكة بالماضي اكثر من اي وقت مضى. ولا غرو عندها ان يستحضر البعض فيدرالية متوهمة ومغلوطة عل أساس طائفي، وأن يقابله البعض الآخر باستقواء ديموغرافي تسلُحي، وسط استعار في الحرب الافتراضية التي تعكس ما في صدور الجميع لتلخص فشل الصيغة اللبنانية كما أرادها المؤسسون.

 

وبين دعوات تقسيمية من جهة، وأخرى تطالب بنظام يعكس تغيرات الألفية الثالثة في البلاد، ينسى الجميع ان اتفاق الطائف الذي اتخذ 16 عاما من القتل والدماء، هو الخلاص الوحيد مهما كثُر الحديث عن قصوره وعجزه عن اجتراح ما حصل مع اللبنانيين خاصة في السنوات الاخيرة.

 

كما ينسى مهاجمو الطائف ان استبدال الأنظمة في بلد كلبنان، كل ما لديه عبر تاريخه يعود الى حكم الطوائف، لن يكون حتما على «البارد»، بل قد يتخذ إشعالا للحرائق الطائفية والمذهبية يتجلى خطرها في كونها قد تحصل وسط ظروف اجتماعية ربما هي الاقسى في تاريخ الكيان بعد نيّف وقرن من تأسيسه.

 

والحال ان الطائف حقق للبنان عروبته وحفظ مقاومته، لكن اللبنانيين أفشلوا مدنيّته ومحاولته المتواضعة لوضع حد للطائفية التي تطورت سلبا الى تحاصصية مذهبية سلطوية لصالح زعماء الطوائف والاحزاب، وليس لصالح شرائحهم الشعبية التي دفعت الثمن في الحرب وها هي تدفع الثمن من جديد في السلم!

 

هنا لا بد من استحضار الأسئلة المريرة: ماذا يريد الذين يبغون الى ضرب صيغة الطائف وسمتها الكبرى الاتفاق على هوية لبنان العربية وعلى العيش سوياً بعيدا عن عبثية الماضي؟! متى سيتعظون من حروبهم الماضية التي لم يخرج منها مُنتصر كامل ومنهزم دائم؟ وفي كل ذكرى من نوعها كالتي نعيشها اليوم، متى سيتوقف اللبنانيون عن استحضار الماضي الجارح واتخاذه رافدا لحاضر مليء بالحقد؟

 

واليوم في شهر ايلول، وبعد نحو 40 عاما على ما حدث حينها، يستحضر اللبنانيون اغتيال الجميل بين مبارك لذلك ومستنكر له ليغرق الجميع في ماضي لم ولن يتفق عليه اللبنانيون يوما. والحال ان شهر ايلول من العام 1982 لا خاصية له لوحده في توليد تلك الاحقاد، فهي تتوالد مع كل زمن وفي كل مناسبة ماضية أو حاضرة، بينما لا يكترث المعنيون من حكام ومحكومين يجددون لهم باستمرار، بمعالجة كنه الأزمة في التحاصص غير الاخلاقي وفساد الحكم الذي أودى بنا الى أقسى كارثة اجتماعية في تاريخ الكيان!