IMLebanon

5 أيلول: تأسيس لحلول… أو إنتظار سيطول

لا تعدو الحركة السياسية الداخلية في هذه المرحلة سوى عملية إمرار وقت في انتظار جلاء غبار المعركة الكبرى الدائرة حالياً في سوريا على مختلف الجبهات، إذ في ضوء نتائجها يمكن البحث في الحلول اللازمة للأزمة اللبنانية.

يقول سياسي مطلع إنّ ما يحصل في سوريا حالياً هو «لعب عل المكشوف»، وينتظر ان تشهد الأسابيع المقبلة مزيداً من الاصطفاف ومزيداً من المواجهة على الساحة السورية التي تشهد زحمة قوى إقليمية ودولية تتنازع على خط تماس اقليمي ودولي بات يتحكّم بموازين القوى العالمية.

ويَستغرب هذا السياسي كيف انّ الولايات المتحدة الاميركية تحرّك طيرانها الحربي في وجه الدولة السورية صاحبة السيادة على أرضها، لحماية ميليشيات انفصالية في الحسكة قصَفها الطيران الحربي السوري، ويقول أن لا تبرير لهذا التصرّف الاميركي سوى أنّ الاميركيين يرغبون لسوريا أن تبقى في حالة استنزاف لا ينتصر فيها طرف على آخر، وهم يَستخدمون كلّ الوسائل الممكنة للحفاظ على سياساتهم الرامية الى إبقاء سوريا محرقة للجميع.

وفي ضوء هذا الواقع يقول السياسي نفسه إنّ لبنان هو الآن في قاع الاهتمامات الاقليمية والدولية، وأيّ كلام عن معالجةٍ لوضع داخلي بمعزل عمّا يجري حالياً في الاقليم عموماً وفي سوريا خصوصاً هو عبارة عن متاهة ومضيَعة للوقت الى حين جلاء غبار المعركة الدائرة في حلب وغيرها من المناطق السورية.

ذلك انّ مصير لبنان بات مربوطاً بإحداثيات المعركة السورية، وإنّ ما يشهده من حراك سياسي حالياً هو بمثابة تعبئة لوقت مقتول سَلفاً، إذ لا يمكن أيّ طرف من أطراف الأزمة الداخلية التجرّؤ على إحداث خرقٍ في جدار الأزمة المسدود.

لكن سيظلّ ضرورياً استمرار الحوار بين قادة الكتل النيابية في عين التينة تحت رعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري وإدارته، سواء توسّع جدول اعماله او ضاق، فإذا لم يُنتج حلولاً الآن فإنه سينتجها لاحقاً بمجرّد تحرّك عجَلة الحلول للأزمة السورية وبقيّة الأزمات في المنطقة.

وفي رأي السياسي نفسه أنّ تجدّد تعاظُم التدخّل العسكري الروسي عبر القصف الجوّي لمواقع «داعش» وأخواتها في سوريا بواسطة قاذفات استراتيجية وطائرات حربية تنطلق من قاعدة همدان الايرانية هو مؤشّر كبير على اقتراب دخول الأزمة السورية في مدار الحلّ، لأنّ هذا التدخّل يحمل في مطاويه خلفيات كثيرة ترتبط في اصل النزاع الإقليمي والدولي في سوريا وعليها، وكذلك في الدول الأُخرى.

وفي هذا السياق يقول بري امام الجميع وعلى طاولة الحوار وخارجَها إنّ هذه التطورات الكبرى التي تشهدها المنطقة تفرض على القوى السياسية اللبنانية على اختلاف مشاربها تحمّلَ المسؤولية والعملَ على بلوَرة حلول للأزمة بدءاً بالاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية بل على تركيبة جديدة للسلطة بما في ذلك رئيس الحكومة والحكومة وبيانها الوزاري، لأنه إذا انتُخب الرئيس ولم يتّفق على بقية القضايا ستَدخل البلاد في خلافات تؤخّر تكوين المؤسسات، ويَلفت في هذا المجال الى انّ الجميع اتفقوا على تولّي الرئيس تمام سلام رئاسة الحكومة ولكن بقينا 11 شهراً حتى اتفقنا على تأليف الحكومة، مع العِلم انّ سلام يتصرف بوفاقية ولم يتّخذ ايّ موقف شذّ فيه عن التوافق. ولذلك يعتبر بري انّ التوافق على سلّة الحلول من شأنها ان تضع البلاد على سكّة الانفراج.

ولذلك يعتقد بعض الاوساط النيابية والوزارية انّ المحطة الحوارية في الخامس من ايلول المقبل قد تكون مناسبة لحضّ الأفرقاء السياسيين على الاستمرار في البحث عن الحلول، علماً أنّ بري ستكون له مواقف لافتة في الخطاب الذي سيلقيه في ذكرى تغييب الامام موسى الصدر ورفيقيه، التي تصادف في 31 آب الجاري، ويتوقع البعض ان تشكّل هذه المواقف قوّة دفعٍ للمتحاورين قبل خمسة ايام من اجتماعهم في اتّجاه البدء في صوغ التوافقات المطلوبة حول بنود سلة الحلول.

على انّ بري العامل حالياً في غير اتجاه لبلوَرة قانون انتخابي جديد، ويكثّف خصوصاً مشاوراته السرية والعلنية مع تيار «المستقبل» و»التيار الوطني الحر» يعتقد جازماً انّ الاتفاق على قانون الانتخاب من شأنه ان يذلّل غالبية العقبات التي تحول دون حلّ الأزمة، ولكنه يبدي احياناً تخوّفه من الفشل في الوصول الى مثلِ هذا القانون حيث يرى أنّ بعض القوى ألسِنتُها ضد قانون الستين النافذ وقلوبُها عليه.

ويقول سياسيون إنّ تيار «المستقبل» يمكنه ان ينطلق في خيارات داخلية على مستوى التوافق مع الآخرين على حلّ الأزمة انطلاقاً مِن إنجاز الاستحقاق الرئاسي، ولكنّه ما يزال لا يستطيع اتّخاذ ايّ خيار بمعزل عن حلفائه الاقليميين والدوليين المنغمسين في كلّ الجبهات الاقليمية، والأمر نفسه ينطبق على الافرقاء السياسيين الآخرين ولو بنسَبٍ متفاوتة.

ويؤكّد هؤلاء السياسيون أنّ تيار «المستقبل» يدرك أنّ فرصة استعادته لرئاسة الحكومة بمعزل عن نتائج النزاع الكبير الدائر في المنطقة مربوطةٌ بتبنّي ترشيح رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، وربّما بغيره من المرشحين إذا لم يتسنَّ لعون الوصول الى الرئاسة، ولكن اللافت انّ الخطاب السياسي لـ«المستقبل» الموجّه الى الخارج شيء وحقيقة التسويات التي يَرغب في الدخول فيها مع الأفرقاء السياسيين الآخرين شيء آخر، ولكنّ مشكلته وغيرَه من الأفرقاء هي العجز عن تجاوُز الاعتبارات الاقليمية والدولية للوصول الى تلك التسويات.

وفي أيّ حال يبدو المشهد الآتي: إنتظار لمعركة حلب وتوابعها التي يتوقّع كثيرون أن تبدأ مؤشّرات ما ستؤول إليه بالظهور أواخر أيلول، وانتظار جولة الحوار الوطني في الخامس من أيلول التي ستعكس بنتائجها ما سيؤول إليه الوضع الداخلي، فإمّا حلّ قبل نهاية السنة وإمّا انتظار سيطول.