IMLebanon

9 أيلول… حوار على وقع الشارع المُنتفض

ألان سركيس

تتعدّد السيناريوهات وتتقاطع وتتناقض حيال ما سيكون عليه المشهد غداً الأربعاء، خصوصاً أنّ الحوار سينطلق على وقع أصوات الشارع التي ستُزنّر ساحة النجمة ووسط بيروت، منذ انعقاده للمرة الأولى عام 2006.

يستنفر الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وبقية الأجهزة لتأمين الحماية للمتحاورين والمتظاهرين على حدّ سواء، فاللعب بالإستقرار ممنوع، وأيّ ثغرة أمنية وخطأ في التقدير سيكون باهظ الثمن. لذلك، فإنّ الجهوزيّة العسكرية في أوجها، ترافقها تعبئة شعبية وجماهرية لـ»تحرّك 29 آب».

تحاول لجان التنسيق بين الجمعيات والشخصيات المدنية توحيد خطابها ومطالبها، وستركّز على حلّ ملف النفايات والمطالب الحياتيّة مثل المياه والكهرباء والصحة، وإعادة تكوين وإنتاج السلطة عبر إجراء إنتخابات نيابية وإنتخاب رئيس للجمهورية، لكنّ المُعطى الجديد الذي دخل الحلبة المطلَبية هو إعلان رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع مقاطعته الحوار،

والحرب على الفساد بصرف النظر عن الحلفاء والخصوم، وهذا الموضوع طرح علامات إستفهام كثيرة عن المدى الذي ستبلغه إنتفاضة جعجع على الفساد خصوصاً أنّ التركيبة السياسية اللبنانية والتوازنات لا تسمح بالذهاب بعيداً في المحاسبة، وكذلك بالنسبة الى مشاركة القواتيين في التحرّكات الشعبية، خصوصاً تحرّك الغد.

حرّر قرار جعجع بمقاطعة الحوار، القواتيين، وسمح لهم بالتظاهر والتضامن مع الحراك المدني لكن ضمن الثوابت الوطنية. فلا يمكنهم لو شارك جعجع بالحوار، التظاهر في محيط ساحة النجمة ومهاجمة الطبقة السياسيّة.

وفي هذا الإطار، يكشف الأمين العام لحزب «القوات» فادي سعد لـ»الجمهورية»، أنّ «عدداً كبيراً من المناصرين شارك في الحراك المدني، فالشباب يأتون إلينا ويسألوننا، فنترك لهم حريّة القرار، ولا يمكننا منعهم من التظاهر لتحقيق المطالب الحياتيّة، لكن في الوقت نفسه لا قرار حزبياً مركزياً بالمشاركة، وسينطبق على تظاهرة 9 ايلول ما طبّق على سابقاتها، أيْ أنّ قرار المشارَكة يعود الى كلِّ قواتي».

ويشدّد سعد على رفض «القوات اللبنانية» الشعارات التي تطالب بإسقاط النظام السياسي، «فنحن نريد الإصلاح ومحاربة الفساد الذي وصل الى درجات غير مسبوقة في الدولة والذي لم ينغمس حزبنا فيه»، مشيراً الى أنّ «تأليف جبهة عريضة واسعة تضمّ هيئات المجتمع المدني والحراك الشعبي والإصلاحيين و»القوات»، أمرٌ وارد، وربما نلتقي معهم مستقبلاً، شرط إتفاقنا على برنامج عمل سياسي وإصلاحي واضح، لا طرح عناوين غير واقعية».

يبدو أنّ جمع خليط القوى التي لم تنغمس في الفساد صعب مع وجود إختلاف عقائدي جذري، إذ ليس سهلاً التوفيق بين مجموعة اليساريين، وحزب «القوات اللبنانية» على رغم أنّ جمهور «القوات» يتكوّن بغالبيته من المجتمع المسيحي الفقير، إضافة الى ظهور تناقضات بين الجماعات التي تقود الحراك. وفي المقابل، فإنّ المعركة الكبرى بين إيران والمحور العربي، والإنقسام الداخلي بين فريقَي «8 و14 آذار» ومشكلة سلاح «حزب الله»، تجعل «القوات»، حُكْماً، أحد أهم أركان «14 آذار». لكنّ كلّ هذه العوامل لا تمنع التأسيس لمرحلة جديدة يكون عنوانها الإصلاح والمحاسبة.

وفي انتظار الغد، يحضّر رئيس «التيار النقابي المستقل» حنا غريب للتظاهرة، لكنّه ينفي لـ«الجمهورية» إمكان أن «يقتحم المتظاهرون ساحة النجمة خلال انعقاد طاولة الحوار، فكلّ الكلام عن طوق أو إختراق أو إقتحام لا أساس له من الصحّة»، مؤكداً «أننا نتظاهر برقيّ وديموقراطية لتحقيق المطالب الحياتية التي تخنق المواطنين».

ويلفت غريب الى أن «الدعوة للتظاهر هي جماهرية وللشعب ولم توجّه الى القوى السياسيّة، وإذا أراد احدهم المشاركة فلا مانع»، معتبراً أن «المسؤولية عن الفساد تتفاوت، ولا يمكننا تحميل الجميع المسؤولية نفسها».

يأخذ الإعتراض على الواقع المعيشي أشكالاً متنوعة، لكنّ المحاذير السياسيّة، وعدم وضوح بوصلة الحراك، وإفتقاده الى القيادة، يجعل البعض يراجع حساباته، لكن ذلك لا ينفي وجود مشكلة حياتية على الطبقة السياسيّة حلّها، وإلّا فالثورة المطلَبية مستمرة، والشعب اللبناني لن يقبل الرضوخ بعد الآن لمَن جوّعه وفقّره وهجّره وإستعمله حطَباً في الحروب الكبرى، ليصبح بلد الأرز على باب التصحّر بعدما ضُربت طبيعته وخُرّب مناخه وجفّت ينابيع مياهه وبات يفكّر باستيراد المياه من تركيا مثلما كان سيحصل الصيف الماضي.