IMLebanon

أيلول مقلق في سوريا ولبنان

تتبايَن التوصيفات في شأن اللحظة التي تمرّ بها المنطقة الآن. وفي مقابل حال تفاؤل تسود مراهنين على أنّ الاتفاق النووي الايراني – الغربي بدأ يُنتج مناخَ تسويات لأزمات المنطقة الساخنة، هناك رأيٌ يؤكّد أنّ هذا الاتفاق لم يتم بعد تسويقه عربياً، وهو في هذه اللحظة لا يزال يُعتبر جزءاً من مشكلات المنطقة البينيّة وبين بعض دولها وأميركا، وليس مدخلاً لإنتاج حلول وتسويات فيها.

هذا المعنى الثاني لقراءة اللحظة التي تمرّ فيها المنطقة، وجد تأكيدات لصدقيته خلال لقاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره السعودي عادل الجبير في موسكو، حيث أكّد الطرفان استمرار خلافهما على مصير الرئيس بشار الأسد داخل الحلّ السوري، وعلى سبل محاربة «داعش»:

هل يتمّ ذلك مع إيران أو من دونها؛ ومع الاسد أو من دونه؟ في اختصار بواسطة «تحالف مختلَط» يضمّ أعداءَ ما قبل اتفاق فيينا حسب إقتراح الروس، أم بـ«صيغة تحالف» تُراعي أنّ خلاف العرب مع إيران ومحورها، لا يزال مستمراً، كما اقترح الجبير؟

لقد أظهر اللقاء الروسي – السعودي في موسكو، أنّ «أزمة إيران» من المنظار العربي، لا تزال تقيم في مربع مطالبة طهران بتنازلات تؤدّي الى تقليم أظافر نفوذها في المنطقة العربية، سواءٌ في اليمن او في سوريا وصولاً الى لبنان.

عُقِد لقاء الجبير ولافروف في اليوم نفسه الذي وصل فيه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الى بيروت قاصداً بعدها دمشق. ويُعزّز تزامن الحدَثين الانطباع بأنّ حرب المحاور في المنطقة، انتقلت الى مرحلة جديدة في الشكل غير أنّ مضمونها لا يزال على حاله. لقد اتّضح بعد طول تكهنات، أنّ الجبير ذهب الى موسكو ليس لتقديم تنازل في سوريا، بل لاستكمال خطوات لفت نظر واشنطن الى أنّ جَريها وراء إيران سيُحفّز السعودية على تنويع تحالفاتها الدَولية.

فيما جاء ظريف الى بيروت ليس ليوحي فقط بأنّ طهران في مرحلة ما بعد الاتفاق النووي بدأت تدخل دول المشرق العربي من أبوابها وليس من شبابيكها وعبر قنوات وزارة الخارجية وليس الحرس الثوري، بل ليُوحي في الأساس للمجتمعين في موسكو بأنّ نفوذ بلده مستمرّ في هذه المنطقة، وذلك رداً على ما شاع أخيراً من أنه يمكن روسيا برضى سعودي وأميركي أن تَرِث الجزءَ الأكبر من نفوذ إيران في المشرق، خصوصاً في سوريا.

من حيث الشكل والمضمون على السواء، كان لافتاً تخصيص ظريف جزءاً من زيارته اللبنانية «المُصمَّمَة بعناية»، حسب مصدر إيراني، للقاء الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله. وبهذه الخطوة يُعلن ظريف أنّ زيارته للبنان تنسجم في جزءٍ أساس منها مع «خطاب التوضيح» الشهير الذي ألقاه السيد علي خامنئي لدَحض ما شاع بعد توقيع اتفاق فيينا، بأنّ إيران الجديدة ستغيّر سياسات دعمها لحلفائها.

وقُصارى القول إنّ بداية هذا الأسبوع، أطلقت مؤشراتٍ عن أنّ الأزمة في المنطقة لا تزال في مربّعها الأوّل، وأنّ الذي تغيّر هو شكل المسرح فقط. ومع كلّ هذه المؤشرات التي تدلّ على استمرار «مرحلة الحرب الباردة العربية الإيرانية»، يصبح الرئيس الاميركي باراك أوباما محتاجاً ليس فقط لترتيب تسويق اتفاق فيينا أميركياً، بل لتعريبه أيضاً عربياً وإقليمياً.

فتكليفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذه المهمة الاخيرة، عبر منحه تفويضاً بأخذ الاسد والسعوديين الى نقطة وسط، وأخذ الاقليميين من أتراك وإيرانيين وسعوديين وسوريين الى أولوية قتال «داعش»، يبدو أنّه وصل الى طريق مسدود.

قد يكون البديل هو التسليم باستمرار نزاع المحاور في المنطقة، أو على الأرجح «تزخيمه في ربع الساعة الاخيرة» الذي يفصل العالم عن توقيع الكونغرس اتفاق فيينا بعد أربعة اشهر، حيث تنفرج حينها بعد أن تكون قد اشتدّت؛ وهو ما يُطلق عليه «إنجاز تسويات تحت النار».

وتُظهر تقارير أنّ هناك أوساطاً متابعة واسعة تُرجّح دخول المنطقة خلال الشهرين المقبلين تطبيقات نظرية تفاوض تحت النار. وتلفت الى معلومات مستجدّة متداوَلة منذ نحو اسبوعين، تتحدث عن «أيلول أو خريف مقلق» في كلّ من سوريا ولبنان خصوصاً.

وفي التفاصيل القليلة المتوافرة عنها، يدور الحديث بلغة «الجزم» عن أنّ سوريا ستشهد محاولات مستميتة للمعارضة لفتح جبهات أمنية وعسكرية كبيرة داخل مناطق «الدولة المفيدة». وفي هذا الاطار يُلفَت النظر الى معركة «لهيب داريا» التي نشبَت قبل أسبوع، بصفتها رسالة سياسية عن القدرة على تهديد دمشق «عاصمة دولة النظام المفيدة»، بأكثر ممّا هي معركة لها مدلولات عسكرية.

فداريا تُعتبر جزءاً من دمشق، وتقع على مسافة خمسة كيلومترات من القصر الرئاسي، وهي منطقة محاصَرة منذ أربع سنوات، وكانت حتى قبل أسبوع تُعتبر نموذجاً عن امكانية ايجاد «ميادين هدنة» بين مناطق المسلحين وبين الجيش السوري الذي يُطوّقها. وتوقيت فتح جبهة داريا ينطوي على رسالة لاقتراح الموفد الأممي ستيفان دو ميستورا عن «الهدنات المتدحرجة»، تقول إنْ لا هدنة مع النظام.

أما عن لبنان، فيجري «الجزم» بأنه سيشهد «هزاتٍ أمنية» تُجبر «حزب الله» على الانسحاب من سوريا، أو تُضطرّه، على الأقل، تحت وطأتها الى تخفيف مقدار كبير من زخم مشاركته في القتال هناك.

لا تتوافر معلومات تفصيلية عن هذا السيناريو الذي يُرجّحه الى حدّ الجزم بعض من الأوساط المتابعة، لكنّ التحسّب له موجود لدى مراجع سياسية لبنانية وازنة. فرئيس مجلس النواب نبيه برّي ركّز امام مبعوث السلطة الوطنية الفلسطينية عزام الأحمد على أنّ ما يحدث في عين الحلوة ليس أحداثاً جنائية أو تفلّتاً فردياً، بل غالب الظن يكمن وراء مخطّط ما خطر.

والى ذلك، تؤشر تقارير الى احتمالات تدهور مفاجئ قد يندلع نتيجة البركان الاجتماعي المحتقن والمتّسم بعوامل تشابك ديموغرافيات الفقر المدقع السوري النازح والفلسطيني اللاجئ واللبناني المُحبَط، أو من فوهة البركان السياسي الداخلي المتوتر جداً، أو الارهابي الذي لا يزال يُمسك بملف عرسال، أو حتى الاسرائيلي المتربّص.

يبقى السؤال الوحيد الذي يطرح نفسه امام إصرار متوقّعي حدوث اضطراب أمني في لبنان يكون بحجم استدراج «حزب الله» إلى التورّط فيه، وهو عما إذا كان القرار الدَولي بالحفاظ على استقرار البلد قد أصبح غير معني بإبقاء نار المنطقة خارج لبنان.

والاجابة المتوافرة، هي أنّ قرار إبقاء لبنان خارج «أزمات الثورات العربية» لن يكون سارياً على مستوى إبقائه خارج ميدان التفاوض تحت النار، لإنجاز ترتيبات المنطقة خلال هذا الخريف، خصوصاً أنّ الحزب عضو أساسي في نادي المشتركين في الحرب السورية وبالتالي سيكون مصيره على طاولة تسويتها.