تعددت الروايات وكثُرت الإستنتاجات حول وقائع أو حقيقة الإشكال المُسلّح الذي وقع مساء الثلاثاء الماضي في منطقة دوحة عرمون، لكن النتيجة واحدة وهي ان»سرايا المقاومة» فصيل «حزب الله» العسكري في الداخل، عادت لتستبيح مُجدداً الآمنين وأرواحهم وأرزاقهم عبر سلاح يأبى القيّمون والمُشرفون عليه، سحبه من أيدي صبية شارع أصبح يحتكم لمزاجهم ولهواياتهم اليومية من تشبيح وخلع وفرض ايتاوات على أصحاب المؤسّسات، والاعتداء بالضرب على نازحين سوريين لا ينتمون إلى منظومتهم «المُمانعة».
من دون سابق إنذار فُتحت منذ ثلاثة أيّام في شارع «مريم» في «دوحة عرمون»، معركة بالرصاص الحيّ من أسلحة خفيفة ومتوسطة، بين ما يُعرف بـ«سرايا المقاومة» من جهة، وبين جهة وصفتها عناصر «السرايا» بأنها «خلايا نائمة جاهزة لخوض معركة عندما تحين ساعة الصفر». إلا أن أهالي منطقة عرمون لهم رأي يُخالف «فبركات» عناصر «سرايا الفتنة» الذين ينتشرون بحسب أقوالهم، في الليل والنهار على الطرقات ويُقيمون في بعض الاحيان حواجز ليليّة داخل الأحيّاء. وحول طبيعة الإشكال المُسلّح، يؤكد الاهالي أنه «حصل بين السرايا وبين مؤيدين لها من التابعية السورية».
أهالي دوحة عرمون الذين هم أدرى بشعاب منطقتهم، يجزمون بأن الإشكال وقع بين مسؤول «السرايا» في المنطقة المعروف بـ«أبو عطا» ومُناصرين له بينهم أشخاص سوريون، من جهة، وشخص آخر ينتمي إلى التنظيم المُسلّح نفسه، وذلك على خلفية التنافس في العمل إذ إن الاثنين يمتلكان مولدات كهربائية في المنطقة، والتنافس بينهما يعود إلى فترة طويلة. وقد أدّى هذا «التنافس» بين رفاق السلاح وأصحاب «الكار» نفسه، إلى سقوط 4 جرحى أحدهم بحالة خطرة. أمّا إذا صحّت الرواية الثانية، فهنا تكمن الخطورة. ثمة من كشف أن تظاهرة لسوريين نازحين مناوئين لحكم بشّار الأسد، كانوا يُنظمون مسيرة احتجاج على القصف الذي يتعرّض له المدنيين في سوريا، لكن ما هي إلا لحظات، حتّى انهال رصاص «سرايا الفتنة» عليهم.
حتّى الساعة لم يتبنَّ «حزب الله» الجهة المسؤولة عن فلتان السلاح الحاصل في الشارع، أيا من الروايات، ولم يصدر حتّى أي توضيح بشأن ما حصل. لكن وعلى الرغم من محاولة الحزب النأي بنفسه عن هذه الخضّات التي يُديرها من غرفه السوداء والتي أصبحت عادة تتكرّر على الدوام من منطقة إلى اخرى، تظهر بصماته بوضوح في كل رصاصة تُطلق وفي عيون الناس الخائفة على مصير أطفالها من سلاح يستهدفهم ويقتلهم في فراشهم وعلى الطرقات، تحت حجّة الرصاص «الطائش».
من يُتابع الوقائع الميدانية المُتعلقة بالإشكالات التي تقف «سرايا الفتنة» وراءها، يُمكن أن يستخلص مجموعة أمور ذات أهميّة بالغة من بينها: هذه المجموعات المُسلحة التي أُوكل اليها غزوة العاصمة بيروت إستباحت عدداً من المناطق الاخرى في السابع من أيّار عام 2008، هي نفسها اليوم تتحضّر لمشهد مُماثل مُرتقب خصوصاً في ظل التعقيدات التي يواجهها «حزب الله» في سوريا ولبنان والتي تمنعه من إستكمال مخططاته التوسعية والسيطرة الميدانية بالإضافة إلى سعيه نحو فرض «مؤتمر تأسيسي» في البلد، كان كشف عنه السيد حسن نصرالله في احد خطاباته قبل أن يسير بقيّة حلفائه على الإيقاع نفسه.
صحيح أنه في دوحة عرمون، المقسّمة إلى مناطق نفوذ، يوجد حضور لسرايا «حزب الله» ولحزب «التيار العربي» التابع لشاكر البرجاوي، بالإضافة إلى تيار «المستقبل» وقد يُعتبر هذا الأمر صُحياً نوعاً ما في بلد ديموقراطي لأحزابه دور أساسي ومفصلي في العمليّات الإنتخابية، لكن ما هو غير صُحّي ويدعو إلى القلق، وجود هذه الكميّة والنوعيّة من الأسلحة بيد فريق يُساهم إلى حد كبير بقتل الشعب السوري والتنكيل به وبتشريده من بلاده، وباحتلال أرزاقه. وفي وقت يغرق فيه هذا الفريق نفسه بهذا الكم من الفظائع، يبدو أنه أوكل لسرايا «الفتنة»، القيام بالامر نفسه في الداخل اللبناني.
في بيروت ووسطها، وطرابلس وعكار وصيدا والبقاع، لا توجد بُقعة بيضاء في ملف سرايا «حزب الله» يُمكن أن تحتوي على جزء من «فضائلها»، ولا حتّى محطّة مشرفة يمكن الركون اليها على الرغم من كلام النائب نوّاف الموسوي منذ فترة وجيزة عن أن «الحملات التي يتعرض لها فصيل أساسي من فصائل المقاومة في لبنان، ألا وهو سرايا المقاومة، تستهدف النيل من صورتها وطبيعتها وتكوينها وأهدافها وغاياتها». ويجوز القول، ان طبيعة هذه الفتنة وتكوينها وأهدافها، هو القتل والتشبيح والسلب وتعميق المذهبية ونشر الرعب في نفوس الآمنين، ومع هذا يُصرّ إعلام «الممانعة» على تصوير «فتنته» هذه، بأنها وجدت لمُقاومة إسرائيل، لكنها في الحقيقة ليست سوى «سرايا» نائمة تنتظر الأوامر من أسيادها، لاستعراض «فتنتها» ونقمتها في الداخل على حساب الآمنين وأرزاقهم وأرواحهم.