ستمرّ السلسلة ومعها قانون الضرائب وستتحوّل امراً واقعاً مُعاًشاً في أيام قليلة بعد سنوات من الوعود «العرقوبية». ولن يتوقف الجدل وسيبقى الإنقسامُ قائماً بين اللبنانيين لفترة، بين قائل إنها الشرارة الأولى لأزمة مالية يتوقعها، وآخر يراها بوابةً الى إنعاش الحركة الإقتصادية وإعادة تكوين الطبقة المتوسطة. ولن يتوقف الجدل قبل أن تنتصرَ نظريةٌ على أخرى. فما هي نقاطُ القوة والضعف في النظريّتين؟!.
لقد ثبت شرعاً أنّ العقبات التي حالت دون إقرار سلسلة الرتب والرواتب الخاصة بموظفي القطاع العام قبل خمس سنوات رغم الجهود التي بُذلت طوال هذه الفترة. كان سببها الخلافات التي تحكّمت بالتكتلات السياسية وفق معادلة سلبية لم تلتقِ يوماً على المخارج المالية والإدارية الممكنة.
فهي أغرقت البلادَ لسنوات في دوامة من النظريات والمعادلات التي تجاوزت كثيراً من الحقائق الإقتصادية والمالية كان ممكناً الركون اليها بلا نقاش للخروج بنسب مئوية تحكم المعادلات التي تؤدّي الى البتّ بحجم الزيادات الممكنة على الرواتب. كذلك بالنسبة الى التفاهم على سلّة الرسوم والضرائب التي يمكن تطويرها وإعادة النظر فيها أو إحداث الجديد منها في أيّ وقت.
لا يختلف خبيران إقتصاديان على القول إنّ سلّة الرسوم والضرائب التي تغذّي الخزينة العامة هي من اكبر وابرز مصادر التمويل للسلسلة. فلا مجال لصرف قرش واحد ما لم تتمّ جبايته، ولا يجوز القول إنها ستكون عملية معقدة في حال التفاهم على الأرقام على ضفتي الجباية والصرف – بعد وقف النظر اليها على أنها وجهة نظر- فلغة الأرقام لا تتحمّل أيَّ نوع من أنواع التفسير والتنظير، لا بل فهي ترفض ذلك في الشكل والمضمون.
وعلى رغم ذلك لم يلتقِ اللبنانيون في تلك الفترة وحتى الأمس القريب على توحيد نظرتهم الى هذه الأرقام، حتى بالنسبة الى تحديد موارد الخزينة وكلفة السلسلة في ظلّ الخلاف المستغرَب حول حجم الدين العام وأرقامه والتي ما زالت مطاطة بفروق كبيرة وهو أمر لم تشهده أيّ دولة أو إدارة في العالم.
على هذه الخلفيات، يفسّر الخبراء الإقتصاديون المحايدون التفاهم الذي تحقّق أخيراً على السلسلة والحدّ الأدنى من سلّة الرسوم والضرائب، على أنه كان سياسياً قبل أن يكون إقتصادياً ومالياً وإدارياً.
فالبلاد كانت قد دخلت الأشهر الأولى من بداية العهد وسط الإستعدادات التي كانت قائمة من أجل إنتخابات نيابية طال انتظارُها بعد تمديدَين من دون أيّ حجّة أمنية أو دستورية أو سياسية مقنعة، فكان التمديد الثالث لتأخير المواجهة الحتمية بين السلطة ومواطنيها.
وجاء القرار بالإعلان عن السلسلة أيّاً كانت كلفتها لإرضاء فئة واسعة من اللبنانيين وصرف النظر عن التمديد الثالث والإستفادة منها في السباق الى ساحة النجمة في الإستحقاق الإنتخابي المقبل.
والى هذه المعطيات، لا ينكر الخبراء الإقتصاديون، ومعهم عدد من السياسيين، أنّ هناك حوافز فتحت الطريق امام إنجاز السلسلة وأوّلها مردود «الهندسة المالية» التي أجراها مصرف لبنان والتي وفّرت كمّاً كبيراً من الضرائب ضمنت كلفتها للسنة الأولى على أن يُستثمر مردود الضرائب المُحدثة في توفير ذلك للسنوات المقبلة.
فازدياد الكلفة السنوية قد يرتفع نسبياً ما بين 15 و18% كل سنة بفعل زيادة عدد المستفيدين من السلسلة من موظفين ومتقاعدين في «إدارة هرمة» تنتج فائضاً منهم يراوح بين 8 و12% سنوياً من الجسم المدني والعسكري في الدولة اللبنانية.
وعلى هذه الأسس إختلفت النظرة الى القانونين المتلازمين في شأن السلسلة ومصادر تمويلها فوقع الإلتباس بينهما. فعدّهما البعض قانوناً واحداً، ونجح آخرون في الفصل بينهما فلكل منهما أسبابه الموجبة التي تدفع الى التكامل بينهما بدءاً من السنة المقبلة بعد الإقرار بتوافر كلفة السنة الأولى من السلسلة من اليوم.
وهو ما فتح النقاش حول مصادر التمويل وحجم الضرائب والمساحة التي يمكن أن تشملها في القطاعات المختلفة فبرز الصراع من جديد وبقي الخلاف الأساسي قائماً – بين أهل الحكم أنفسهم – بسبب فقدان النظرة الواحدة الى حجم وموارد هذه الضرائب وانعكاساتها المقدّرة على مختلف القطاعات الحيوية في البلاد. ولذلك فقد احتفظ طرفا الخلاف بنظرياتهما المتناقضة – على الأقل في العلن – الى الساعات الأخيرة التي سبقت لقاء بعبدا الحواري يوم الإثنين الماضي.
وعليه، فقد كشف أحد الخبراء الإقتصاديين الذي شارك في حركة الإتصالات الناجحة التي رسمت التفاهمات قبل عقد هذا اللقاء أنه شكّل المناسبة المثالية لتظهير المخارج والتعديلات الممكنة على القانونين بمعزل عمّا جرى فيه من مناقشات.
وهو ما ترجمته حركة الثنائي وزير المال علي حسن خليل ورئيس لجنة المال والموازنة ابراهيم كنعان بما يمثّلان من وجهتي النظر المتناقضتين حيال السلسلة والسلّة الضريبية في آن فاستُغلّ اللقاء أفضل استغلال وكان ناجحاً بكل المعايير.
وفي انتظار ترجمة هذا التفاهم الذي تحقّق يبدو أنّ رئيس الجمهورية سيوقّع في الساعات المقبلة القانونَين الموجودَين بين يديه. وهو ما يسمح بإجراء التعديلات المقترَحة عليهما لاحقاً.
لكنّ ذلك لن يتمّ قبل التثبّت من موافقة المعنيين على المخارج وضمان تنفيذها فلا تقتصر التعهّدات على وعود يمكن التهرّب منها في أيّ لحظة وهو ما ستترجمه الساعات المقبلة تمهيداً للبتّ بالتعديلات المتفَق عليها في الجلسة التشريعية المقبلة التي تلي نشر القانونين معاً فلم يكن لدى المجلس في جلسته أمس قانون كامل الأوصاف التشريعية والدستورية لتعديله.