ليست المرة الأولى التي يُستخدم فيها جباة الإكراء والمياومون في مؤسسة كهرباء لبنان في بازار الخلافات السياسية بمعزل عن الأضرار المتكررة التي خلفتها هذه القضية. وزاد في الطين بلة ما سمي أمس اتفاقاً شكل «نهاية سعيدة» للأزمة تبيّن أنه ترجمة سياسية لمذكرة المؤسسة لإستيعاب القضية التي شهدت فصولها الأولى قبل عام. كيف حصل ذلك؟ ولماذا؟
صدق المياومون واللجنة الناطقة باسمهم أن لديهم «قضية حق» وأنّ هناك مَن ينصرهم لتحصيل حقوقهم، فيما آخرون يعملون لتصفيتها. فاحتلوا ابواباً ومساحات واسعة لإحدى المؤسسات الحكومية الكبرى و«هجّروا» أهلها والمسؤولين فيها الى خارج اسوارها قبل أن تتحوّل مداخلها «مقهى للمشاوي» و«سفرة عامرة».
واحتلّ أعضاء لجنة المياومين وعمال الإكراء الشاشات لأسابيع، و«تمتع اللبنانيون» برائحة دخان الدواليب المحترقة ومنظرها لساعات ترافقت مع بثٍّ حيّ، قبل أن تتكرّر تجربة «محمد البوعزيزي» مرات عدة على أبواب المؤسسة والشركات مقدِّمة الخدمات.
ومناسبة هذا الكلام ما سمي احتفالاً دارت وقائعه أمس بين وزارة الطاقة ومبنى المؤسسة في مار مخايل. ومَن قرأ «وثيقة التفاهم» التي تمّ التوصل اليها فوجِئ بمضمونها وآلية الحلّ التي رسمتها فإذا بها ترجمة فعلية لقرارات المؤسسة والمذكرة الإدارية التي استخدمها المياومون فتيلاً لإشعال أزمة امتدت منذ 8 آب الماضي الى الخامس من كانون الاول، أيْ أمس، ولم يمرّ على التجربة الأولى أكثر من عامين والتي امتدت من أيار 2012 الى آب من العام عينه.
ففي الحلقة الأولى من مسلسل المياومين انتهى الشهر الرابع على الإعتصام وبمظاهر الفلتان الى قانون أُقِرّ في مجلس النواب حدّد آلية الحلّ وترجمته مؤسسة كهرباء لبنان بمذكرة إدارية. وفي الحلقة الثانية التي انطلقت من رفض المياومين المذكرة لتنتهي في شهرها الرابع أيضاً بترجمة المذكرة بتفاهم أقرّ بمضمونها ولم يأتِ بجديد فتساوت حلقتا المسلسلين ولم يختلفا إلّا بتهجير مجلس إدارة الشركة في الحلقة الثانية من مار مخايل الى معمل الذوق الحراري.
ويعترف أحد المعنيين بالإتصالات التي انتجت الحلّ أنّ كلّ ما قام به الفريق المفاوض الذي يضمّ ممثلي الأطراف الأربعة حركة «أمل» والحزب التقدمي الإشتراكي ومؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة لا يعدو سوى ترجمة لمذكرة المؤسسة بعدما اعترف وزير الطاقة بـ«أنّ الحلّ لم يخرج عن القوانين المرعية الإجراء».
وقضى الإتفاق – التفاهم بأن يجري مجلس الخدمة المدنية امتحانات مقفلة للمياومين ليدخل منهم ما اشارت اليه المذكرة 897 موظفاً على أن يبقى الآخرون الفائزون دون غيرهم في هذه المباراة على لوائح الإنتظار لعامَين تلتزم خلالهما المؤسسة بملء أيّ شغور في ملاك المؤسسة منهم الى حين سقوط مفاعيل الإمتحانات، ويتوقف الإتفاق عند هذا الحدّ.
ويعترف المعنيون بالإتفاق أن ليس هناك أيّ قطبة مخفية في ما تمّ التفاهم عليه، فهو أُعلن كما هو بلا زيادة او نقصان ويقود الى بدء احتساب الخسائر التي مُنِيت بها المؤسسة والخزينة العامة التي إزدادت خسائرها وديونها مليارات عدة سيجري احتسابها مع الوقت.
وفي الحديث عن الخسائر إشارة واضحة الى ما تكبدته المؤسسة من تأخير في إصدار الفواتير الى التكاليف التي رافقت انتقال إدارة المؤسسة الى معمل الذوق الحراري وصولاً الى المتأخرات المستحقة لموردي قطاعات المؤسسة فهم لم يقبضوا مستحقاتهم منذ أشهر وسرت عليها فوائد التأخير في حالات عدة. بالإضافة الى الخسائر التي لحقت بالمواطنين الذين لجأوا الى إجراءات خارجة عن المألوف.
ويُضاف الى كلّ هذه الخسائر اضطرار المواطنين الى التعليق على الشبكة طالما أنّ المؤسسة لم تزوّدهم العدادات وكلها خسائر لا يمكن إحصاؤها اليوم لكنّ رقماً سيُعلن خلال الفترة المقبلة.
وفي المحصِّلة ظهر جلياً أنّ حلّ الأزمة جاء سياسياً كما بدأت، بدليل أنّ مرجعاً حكومياً اتصل بأحد المعنيين مهنِّئا بـ«النهاية السعيدة» لما سمي «ملف المياومين» فردّ قائلاً: «يا ليتها لم تكن بداية لتلقى مثل هذه النهاية!»