استحقاق التعيينات العسكرية والأمنية وما اليها، مشت على خطى السابق من الاستحقاقات، رئاسية وحكومية، بالرضى والقبول، بمعزل عن عدم مراعاة الآليات المعتمدة، باختزال المسافات، مما ولّد بعض التحفظات والملاحظات التي قد لا تتكرر، ما لم تتال أسبابها، وقد تتطور الى مشكلة، فيما لو تحوّل الاستثناء الى قاعدة، والسابقة الى عرف.
وعلى أي حال، فقد استعادت المؤسسات العليا، مع هذه التعيينات استقرارها، بحدود ما تسمح به التوافقات السياسية المبنية على قواعد المحاصصة، انما اشتدت قبضة الأمن، في مختلف المجالات، وبالذات في المجال الجديد المتمثل بصناديق المال البريدية المشتبه بتحولها الى أقنية لتسريب الأموال باتجاه الجماعات الارهابية في الجوار، وربما أبعد منه…
وبقي على سلّم جدول الاستحقاقات الملحّة الموازنة العامة وعلّتها سلسلة الرتب والرواتب لموظفي الدولة، والمعلمين في المدارس الخاصة والرسمية، أما موضوع خصخصة انتاج الكهرباء، فقد وضع على سكة المعالجة، فيما قانون الانتخابات الذي هو المبتدأ والخبر بالنسبة الى كل عهد جديد، ما زال عصيّا على التفاهم والصيرورة، بحكم تباعد المصالح، وتناقض الاستراتيجيات.
انما يحكى ان الرئيس ميشال عون، قرر أن يخوض غمار هذا القانون الصعب، بطرحه النسبية الكاملة على الدوائر المتعددة، وهو طرح جديده اقترانه بتوقيع رئيس الجمهورية، أو من ينوب عنه، والكلام الرائج انه سيأخذ طريقه الى طاولة مجلس الوزراء قبل نهاية هذا الشهر.
ثمة من يربط هذا الموعد، بالقمة العربية المقررة في عمان يوم ٢٧ الجاري، لكن لا أحد يحدّد: قبل القمة أو بعدها؟
وربّ سائل: ما علاقة القمة بقانون الانتخابات؟ والجواب، ان الأمور في لبنان باتت أشبه بشلّة خيطان على جبّ بلاّن، متداخلة ومعقّدة ويتعذّر تخليصها بالدعوات. فعلى موقف لبنان الرسمي في القمة، تترتب أمور داخلية كثيرة، فعودة التضامن العربي مع لبنان، الذي تبخّر في اجتماع وزراء الخارجية في القاهرة، يعيد الكثير الى الوئام الداخلي، الذي اهتز ولا يزال، في المرحلة الأخيرة، وعكس ذلك قد يزعزع أمورا أكثر. والاتكال على حنكة العقلاء وحكمة الحكماء، وهم يسعون، وبجهد، لاحتواء الأمور، قبل بلوغ قاعة القمة في عمّان.
وبانتظار هذه المحطة المفصلية، يبقى الكلام الانتخابي، مجرد تداول بالتمنيات.
ومع الضبابية الانتخابية، طبيعي أن تتحوّل الأنظار الى الاستحقاق الأكثر ضغطا وإلحاحا، ألا وهي الموازنة الجديدة ومتمماتها، وسلسلة الرتب والرواتب والموارد المطلوبة لتغطيتها…
لقد بات مؤكدا ان التوافق تمّ على مقدار كلفة السلسلة ألف ومئتي مليار ليرة وبقي توزيع هذا المبلغ على الادارات، والأهم مصدر تمويلها، الذي هو محور التجاذب بين أولي الأمر، فهل يُكتفى بوقف الهدر وترشيد الانفاق، واعادة ناتج فرعي المطار والمرفأ الى وعاء الدولة، كما يفترض دعاة الاصلاح والتطهير، فضلا عن وقف الاعفاءات عن أصحاب الحول والطول؟ أم تكون العودة الى الضرائب الاضافية على الناس بذريعة إللي بدّك منّو بدّو منّك؟…
مثل هذه المخاطرة الضرائبية، سوف تفجّر غيظ الناس، وتهزّ الأسعار، ومن دون أن تضع حدّا للفساد والرشوة، بل ربما أطلقتهما على الغارب…
وبهذه المناسبة يروى ان الصينيين القدامى بنوا سور الصين العظيم، بحثا عن الأمان، معتقدين ان أحدا لا يستطيع تسلّقه أو اختراقه.
لكن في غضون المئة سنة الأولى تعرّضت الصين لثلاث غزوات، وفي كل مرة لم تشعر الجحافل المهاجمة، بالحاجة الى تسلّق السور أو اختراقه، لأنهم كانوا يرشون الحرّاس فيقتحمون لهم البوابات.
لقد انشغل أباطرة الصين ببناء السور عن بناء حرّاسه من البشر، فتحوّل السور العظيم من حامٍ للوطن، الى مجرد معلم سياحي كحاله الآن…