في 15 تشرن الأول الماضي، غطّت «سلسلة الرتب والرواتب» في سبات عميق، يفترض أن تصحو منه اليوم. استغرق سباتها الشتوي خمسة أشهر هذا العام، من دون أن يتبين أحد أسبابه. فجأة، استدعيت من كهفها على عجل، بقــرار من رئيس المجلس النيابي، يحدد فيه اليوم موعداً لجلسة اللجان المشتركة.
لا أحد من المعنيين بها مستعد لأن يصدق أنها بعد أربع سنوات من طرحها، سيكون مصيرها الإقرار. وكما وصلت اللقمة إلى الفم مراراً ثم سحبت، لا شيء يوحي أنه سيكون بالإمكان بلعــها هذه المرة. في الأساس، لم يتأكد بعد ما إذا كانت الجلسة ستعقد اليوم أم أنها ســتؤجل، إذا ما قرر «المستقبل» المقاطعة.
حتى مساء أمس لم يكن شيء قد حسم. لا اتفاق بين الكتل ولا اتفاق مع «هيئة التنسيق» سوى على طرح المشروع في اجتماع اللجان. والأهم أن ما تردد سابقاً عن أن الرئيس فؤاد السنيورة سيسير بالمشروع، تبين سريعاً أنه ليس صحيحاً. وفيما قيل إن الرئيس نبيه بري لم يدع إلى الجلسة إلا بعدما سمع من وزير التربية تأكيداً أن السنيورة يؤيد إقرار «السلسلة»، سرعان ما تبين أن كتلة «المستقبل» ما تزال في خندق رفض «السلسلة»، حتى بعدما فرضت زيادة الضريبة على القيمة المضافة.
عندما زار الوزيران الياس بوصعب وعلي حسن خليل السنيورة منذ أيام، حيث التقياه بحضور النائبين جمال الجراح وجورج عدوان، فوجئ خليل بقول السنيورة إنه ليس مستعداً للسير بإقرار المشروع. وللمرة الأولى، ربط رئيس كتلة «المستقبل» بين «السلسلة» والموازنة العامة والحسابات المالية العالقة. اعتبر أنه قبل إقرار هذين المشروعين لا يمكن السير بـ «السلسلة». لم يكتف السنيورة بإبلاغ زواره ذلك، إنما اتصل ببري وأعلمه بقراره. كما طلب منه تأجيل الاجتماع، فرفض رئيس المجلس. كذلك اتصل السنيورة بالرئيس تمام سلام، متمنياً عليه الإسراع في عرض الموازنة ثم إقرارها، ليتم تحويلها إلى المجلس. كما برز، «مستقبلياً»، اعتراض على ترؤس النائب ابراهيم كنعان للجلسة (قد تستعمل كمبرر لعدم الحضور)، انطلاقاً من أن اللجان يجب أن يترأسها رئيس المجلس أو نائبه حصراً. لكن بري كان له رأي آخر، فاعتبر الجلسة استكمالاً للجلسة الأخيرة التي عقدت لمناقشة المشروع، طالباً من مقررها ترؤسها في ظل وجود نائب رئيس المجلس فريد مكاري خارج لبنان.
في الأساس لماذا عادت «السلسلة» إلى الواجهة ولماذا غابت لأربعة أشهر؟ يحمّل نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمــة محفــوظ المسؤولية لـ «هيئة التنسيق» التي تلكأت لأشهر. واعتبر أنه إذا كان مفهوماً عدم نزولها إلى الشارع في بداية العام الدراسي، فإنه لم يكن مفهوماً التهدئة، تارة بسبب التمديد وطوراً بسبب انتخابات رابطة التعليم الثانوي.
ثمة من يعتبر أن السلطة حولت معركة «السلسلة» إلى معركة شخصية مع رئيس رابطة أساتذة الثانوي السابق حنا غريب. أصحاب هذا الرأي يرون أنه بعدما صارت «هيئة التنسيق» بمثابة اتحاد عمالي جديد، لم يعد صعباً تقديم هدية لها، تبدو أكثر على شكل منّة أو منحة. علماً أن هؤلاء يرون أن تمرير قانون «السلسلة» بالشكل الذي هو عليه حالياً، والذي وصفته الهيئة السابقة بـ «المشروع المسخ»، يعطي للسلطة أكثر مما يعطي لأصحاب الحقوق. فإقرارها يعني عملياً إراحة الدولة من 850 مليار ليرة تدفع بدل غلاء معيشة منذ العام 2012 من الخزينة وتغطيتها من الضرائب المستحدثة. كما تعني إقرار معظم «الإصلاحات» التي أقرت في «باريس 3»، من وقف التوظيف إلى تخفيض 35 بالمئة من معاش التقاعد لورثة الموظف المتوفى، والأخطر إعادة النظر، خلال عام، بمنح الزواج والتعليم والولادة.. وخلال ستة أشهر بتقديمات الصناديق الضامنة، بمراسيم تقر في مجلس الوزراء.
يرفض محفوظ ما يقال عن تراجع «هيئة التنسيق» عن دورها. يذكّر بأن وفداً زار الرئيس تمام سلام وطالبه بإعادة بحث «السلسلة» تحت طائلة النزول إلى الشارع مجدداً.
كما يوضح أنه تم إعلام بري بثلاث ملاحظات لـ «الهيئة»، أولاها وحدة التشريع بين القطاعين العام والخاص (أكد بري أن الأمر بتّ)، رفع قيمة الدرجة للأساتذة الثانويين، والأخذ بملاحظات العسكر. كما أعلمهم بري أن النقاش سيبدأ من حيث انتهى في الجلسة الأخيرة، مؤيداً، في المقــابل، مطــالب «الهيئة»، بعدم إعطاء الموظفين بيد والأخذ منهم باليد الأخرى، من خلال الضرائب التي تطال الطبقات الفقيرة.
كل ذلك النقاش ما يزال بعيداً عن الواقع. وإذا صح ما قيل عن أن «تشريع الضرورة» هو أحد أسباب اندفاعة بري وسعيه لإقرار «السلسلة» في اللجان المشتركة تمهيداً لوضعه على جدول أعمال الجلسة العامة المزمع عقدها قريباً، فإن النائب كنعان لم ينس تنبيه زملائه النواب إلى عدم أخذ الناس إلى خيبة أمل جديدة. كما ذكّر بأن الموضوع ليس تقنياً بل سياسي.