IMLebanon

جدية الصراع الجيوسياسي  وهزال جنيف-٣

 ليس من المحتم أن يكون الانطباع السائد هو القانون الذي يحكم الحرب والتسوية في سوريا. فلا المشهد يوحي، أقله في الشكل وخلافاً للمألوف في معادلات الصراع، ان ما يدور على المسرح السياسي والديبلوماسي هو الترجمة الكاملة لما يدور على المسرح العسكري. ولا هو يؤكد، في الجوهر، ان الاتفاق الروسي – الاميركي على وقف الاعمال العدائية سيقود الى وقف كامل للنار من جهة وقضاء على داعش والنصرة من جهة أخرى، وانجاز حل سياسي.

ذلك ان ما كنا ولا نزال نسمعه على مدى سنوات بأقل قدر من النقاش هو أن مصير لبنان والمنطقة يتقرر في حرب سوريا. وما رأيناه على مدى سنوات هو اندفاع قوى المنطقة والعالم لتقرير مصير سوريا والتراجع المستمر في مستوى التسوية السياسية: من بيان جنيف-١ الى بيان مجموعة ميونيخ والقرار الدولي ٢٢٥٤، وسط التفسيرات المختلفة للنصوص تبعاً لموازين القوى وأحياناً لموازين المصالح.

فالتعبير عن الصراع الجيوسياسي يصل الى أعلى مراحل العنف على محاور القتال. اذ لا مثيل لدمار العمران الا في غروزني، ولا لتخريب النسيج الوطني الاجتماعي حتى في البوسنة والهرسك، والتحرك من اجل هدنة جزئية انتظر خمس سنوات. والعمل لترتيب تسوية سياسية يبدو خليطاً من الفولكلور والسوريالية.

في شباط الماضي بدا جنيف – ٣ مهزلة وقت كانت التراجيديا تزداد قسوة في الواقع السوري. واليوم تبدو مواعيده مفتوحة. فالموفد الدولي ستيفان دي ميستورا حاضر للكلام مع من يصل الى جنيف من الوفود في التاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من آذار، وان كان الموعد الرسمي للبدء هو الرابع عشر منه. وليس من الضروري تحديد موعد، ولا من المقرر أن يكون هناك افتتاح رسمي. فلا جنيف – ٣ مؤتمر بالمعنى الكلاسيكي للمؤتمرات. ولا هو مفاوضات بين وفدين، ولا محادثات مباشرة، ولا حتى مباحثات عن كثب بين طرفين، انه موسم حكي يستمع فيه الموفد الدولي بالمفرّق الى كل من يسمح له الكبار الدوليون والاقليميون بدعوته. سلسلة مونولوغات من دون ديالوغ.

والمفارقة ليست فقط الخلاف على الأولويات في مواضيع البحث بل أيضاً الحديث عن حوار سوري – سوري بقيادة سوريين مع ان اللعبة في أيدي الكبار في المنطقة والعالم ومفتاحها عملياً في يد الرئيس فلاديمير بوتين. والمفارقة الأكبر هي الجمع بين عمق الصراع في سوريا وعليها وبين هزال المشهد السياسي الذي عنوانه تسوية الصراع. فكيف اذا كانت خرائط دول الجوار مرتبطة بخارطة التسوية في سوريا، حسب الانطباع السائد؟ وكيف اذا كانت وظيفة الحرب لا تزال مطلوبة لخدمة مصالح عدة كذلك وظيفة داعش