Site icon IMLebanon

تعثّر السداد لكسب الوقت أم تمهيداً لخطة جدية؟

 

 

 

يقول الخبراء في الأمور المالية إن تعبير “تعليق” سداد سندات اليوروبوندز الذي استخدمه رئيس الحكومة حسان دياب أول من أمس السبت ليس موجوداً في قاموس التقنيات المالية. هو مستحدث ليلائم الحالة اللبنانية. بل هو تعبير “سياسي” الهدف منه استدراك ردود الفعل على التأخير في إبلاغ الدائنين بـ”التعثر” عن دفع الديون، ومحاولة للإيحاء لهؤلاء بأن لبنان سيقوم بما تخلف عن القيام به لكن بـ”حسن نية”، التعبير الثاني الذي استخدمه دياب حين أشار إلى نية التفاوض مع الدائنين.

 

ربما كان التدقيق في مفردات المقاربة الحكومية لهذا الموضوع الخطير شكلياً، لكنه يدل إلى عمق المأزق الذي يغرق فيه البلد إلى حد اللجوء إلى اختراع تعابير خارج السياق الجوهري للأمور: لبنان أقر بأنه مفلس. والحكومة ومَن وراءها من القوى السياسية تسعى إلى شراء الوقت بعد نفاده، أم أنها ستستعجل الخطوات العملية التي يتردد الحديث عنها منذ باريس 3 في العام 2001، وصولاً إلى مقررات مؤتمر “سيدر” في نيسان 2018 ؟

 

لم يعد مفيداً، الغوص في انتقادات من نوع أن الحكومة تأخرت في مقاربة الموضوع، أو أنها “علِقت” في خلافات فرقاء الأكثرية الذين تشكلت بقرار منهم، حول الموقف من التعاون مع صندوق النقد الدولي على مدى أسبوعين، أو أنه كان مطلوباً منها أن تضع خطة موازية لقرار تعثرها في الدفع. كما أنه لم يعد مفيداً لرئيس الحكومة أن يكرر خطابه عن “السياسات التي أورثتنا بلداً مثقلاً بالأعباء الكثيرة”، وعن أثقال السنوات الثلاثين الماضية، لئلا يغرق نفسه والبلاد في سجال مع الفريق الآخر، حول أدوار القوى التي يستند إليها في الحكومة، في نمو المديونية وتشريع الفساد تارة بالميثاقية وأخرى بالشراكة، و”إنهاك كاهل الدولة” بالتعطيل لتحقيق مكاسب فئوية أو لأهداف خارجية، وعرقلة “تحفيز الاستثمار” بتفنيد “تداعيات الحروب والنزاعات”، وتجاهل “صرخة 17 تشرين الأول المدوية”… (وفق تعابير دياب).

 

الأكثر إلحاحاً القرارات التي على الحكومة اتخاذها سريعاً، في التعيينات الطارئة بلا محسوبيات، في الكهرباء، وخطتها، وفي الخطة المالية التي ترسم أفقاً للتصحيح المالي وتصفير العجز من أجل تطمين الدائنين إلى أن الخزينة يمكن أن تستعيد عافيتها لتتمكن من تسديد الديون بعد إعادة جدولتها وهيكلتها، ومن أجل الحصول على دعم خارجي يساعد على تمويل احتياجات الدولة. والأسوأ أن يكون بعض القوى النافذة في الحكومة يخطط لكسب الوقت على طريقة “السياسات السابقة”، بحيث يتم إنفاق النذر اليسير من المبالغ التي في حوزة مصرف لبنان، لتمويل الطحين والأدوية والمعدات الاستشفائية والمحروقات، من دون الاستعانة بتمويل خارجي، بحجة رفض “الهيمنة”، أو في انتظار تطورات خارجية ما…

 

تفرض مقاربة مسألة الدين أيضاً على أطراف الحكومة ومن هم خارجها مواجهة الحقيقة حول ما سيؤول إليه النظام الاقتصادي اللبناني، في خضم المأزق. ومع أن كثراً ينتظرون ما ستدفعه المنظومة المصرفية من أثمان هذا المأزق، نتيجة اشتراكها مع الطبقة السياسية في التغطية المالية للمرحلة السابقة، فإن قول دياب “لا نحتاج قطاعاً مصرفياً يفوق بأربعة أضعاف حجم اقتصادنا”، يستدعي البحث في ما سيؤول إليه هذا القطاع في المستقبل، وآثار ذلك على الهوية الاقتصادية للبنان