على رغم التأكيدات المتعددة في وقت سابق أن ثمرة الانتخابات الرئاسية قد نضجت وحان قطافها، تخشى مصادر سياسية أن يكون الأفرقاء المعطلون لهذه الانتخابات قد أخذوا فرصة مديدة في ضوء رهاناتهم على نتائج التوافق الاميركي – الروسي على الحلول المرتقبة للازمة السورية، والى ماذا ستنتهي. فهذه الحلول وفق زوار عواصم غربية في الآونة الاخيرة، أخذت طريقها الجدي الى احتمال التنفيذ، أقله وفق الانطباعات التي تتركها اللقاءات مع المسؤولين الغربيين، وقد تشجع هؤلاء بما يعتبرونه تصميما اميركيا – روسيا مشتركا على تذليل العقبات والمضي قدما في السعي الى حل سياسي. ينقل عن هؤلاء المسؤولين العزم الذي أظهره وزير الخارجية الاميركية جون كيري ومسارعته الى لقاء كل من الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره سيرغي لافروف قبل أسبوع، في ما اعتبرته المصادر أنه ضرب بقوة من الثنائي الروسي – الاميركي على الطاولة من أجل إفهام الجميع أنه موجود ولا يزال قائما، وهو غير متراجع على رغم ما شهدته التطورات الاخيرة في سوريا، من سعي روسي الى تحسين أوراق النظام وموقعه من خلال مساعدته على تحرير تدمر التي تقول وزارة الدفاع الروسية إنها شنت ما يزيد على 2000 طلعة من أجل استعادة المدينة. وإذا كان التلاقي الروسي – الاميركي يوجه رسالة واضحة الى كل المعنيين بالشأن السوري على أنهما لا يزالان يعملان معا من أجل المفاوضات، فإن مؤشرات لم تتضح بالنسبة الى معنيين كثر عن طبيعة رد الفعل على إعادة روسيا تدمر الى سيطرة النظام وما اذا كان التنسيق بين الجانبين الروسي والاميركي من أجل تحرير الرقة كخطوة ثانية بعد تدمر، كما أعلن المسؤولون الروس، يتضمن اعادتها الى سيطرة النظام او ان روسيا ستتولى ذلك تحت العنوان الاميركي – الروسي وتقدم الرقة في حال تحريرها من تنظيم “الدولة الاسلامية” الى بشار الاسد الذي كثف رسائله الاعلامية السياسية في اتجاهات عدة في الأيام القليلة الماضية من أجل تأمين ضمان استمراره، مقدما عروضا مغرية للدول الغربية لإعادة ضبضبة الوضع السوري تحت سلطته، على قاعدة إبدائه مرونة سياسية ظاهرية إزاء جملة العناصر المطروحة على البحث في جنيف. والواقع أنه بعد تحفّظ واشنطن عن إعادة تدمر الى الأسد، وكذلك الدول الغربية، يبدو غريبا ان توافق واشنطن على التعاون مع روسيا لإعادة الرقة الى النظام، او ان يكون ذلك متاحا انطلاقا من سؤال كبير عن الاتجاه الذي سيدفع نحوه عناصر “داعش”.
في أي حال، هذه العروض المتواصلة من الاسد تكتسب بعدها الحقيقي من واقع ان مصير الاسد مطروح على بساط البحث على ضوء رفض عدد من الدول اي دور له في المرحلة الانتقالية التي قال الاسد ان لا تعريف لها، علما أن للمرحلة الانتقالية مفهوما واضحا يقوم على إنشاء حكومة موقتة تتشكل بعد سقوط نظام سياسي، والنظام السوري كنظام حكم الحزب والشخص الواحد سقط ولم يعد قابلا للعيش انطلاقا من واقع ان سوريا لن تعود الى ما كانت عليه، وفق ما يحاول الاسد ان يعرضه، والفترة الانتقالية تستمر حتى وضع أسس نظام جديد يتفق عليه. وزير الخارجية البريطاني أعلن من بيروت، الاقرب الى سوريا من اوروبا، ان بلاده لن ترغب في الاسد في المرحلة الانتقالية، وهناك مروحة واسعة من الدول لن تسمح ولن تقبل بذلك في إطار محاولة تحديد كل منها موقعه مما هو مطروح على طاولة المفاوضات السورية في جنيف.
والسؤال بالنسبة الى المتابعين اللبنانيين يتصل بالمدى الذي يمكن ان يأخذه الجدل حول مسار الحل السوري، ومن ضمنه مصير الاسد، وما هو الوقت الضروري لبلورة ذلك انطلاقا من انه حين تحصل التسوية المرتبطة بالوضع السوري فإن تداعياتها ستنسحب على لبنان، وهناك مؤشرات على تسوية جدية يتم العمل عليها بقوة على الصعيد الدولي. ومع ان البلد لم يعد يمكنه الانتظار على مستويات متعددة في مقابل سعي غالبية الافرقاء، ان لم يكن جميعهم، الى تحسين مواقعهم واوراقهم في انتظار الحل، فإن هؤلاء الافرقاء غدوا اكثر من اي وقت أسرى رهاناتهم وانتظارهم خلاصات الوضع السوري. ومع أن كل المواعيد التي حددت في السابق او الربط الذي أحدثه سياسيون كثر بين محطات خارجية مهمة والاستحقاقات اللبنانية خلال العامين الماضيين سقطت تباعا من دون ان تنجح في حلحلة الوضع في لبنان، فإن توقعات مصادر ديبلوماسية تشير الى ان ثمة ما ينتظر الوضع السوري في حزيران المقبل. أي أن الشهرين أو الاشهر الثلاثة المقبلة مهمة جدا على صعيد تحديد اتجاهات الازمة السورية، على رغم ثقة سياسيين كثر في لبنان بأن هذا المسار لا يزال مفاجئا بالنسبة اليهم، اذا انهى الحرب السورية في هذا التوقيت نتيجة اقتناع راسخ بان هذه الحرب لم تنضج بعد حتى تنتهي عند هذه المرحلة، على رغم الاقرار بعاملي تدفق اللاجئين ووصول الارهاب الى قلب اوروبا اللذين قلبا المشهد السياسي الخارجي المتصل بالحرب السورية وسرّع جدية البحث والسعي الى اتفاق او حلول بين الولايات المتحدة وروسيا، وتاليا الضغط على القوى الاقليمية لهذه الغاية. وتبعا لذلك، فإن انحسار الغيوم حول سوريا لن يجعل أحدا يسلم اوراقه، وقد شارفت الرهانات على أن تنكشف نتائجها بالنسبة الى المراهنين.