غريب أمر بعض القادة المسيحيين وتحديداً الموارنة وكأنهم ضُربوا على رأسهم، فراحوا يخبطون خبط عشواء في اتخاذ مواقف متناقضة تظهر ارتباكهم وضياعهم فيذهبون بالبلاد، من حيث يدرون أو لا يدرون، إلى الفراغ الشامل الذي يعمل له سواهم والدليل على ذلك الآتي:
يطالبون بانتخاب رئيس للجمهورية قبل أي أمر آخر ويتغيب في الوقت نفسه عدد منهم عن جلسة الانتخاب، ويدافعون عن هذا التغيب بالقول زوراً وبهتاناً إنه “عمل ديموقراطي”… يطالبون بانتخاب رئيس قوي ولا يتفقون على تسميته ثم يتساءلون لماذا يأتي الشيعي برئيس قوي لمجلس النواب والسني برئيس قوي للحكومة، وينسون أو يتناسون ان الشيعي اتفق
على مرشح واحد والسني اتفق أيضاً على مرشح واحد ولم يأتوا هم به وحدهم إنما أتت به أكثرية نيابية بموجب استشارات ملزمة أجراها رئيس
الجمهورية.
ويرفضون التشريع في مجلس النواب إلا اعتقاداً منهم أنها وسيلة ضغط تعيد الأولوية لانتخاب رئيس للجمهورية، ثم يشترطون للمشاركة في “تشريع الضرورة” درس مشروع قانون جديد للانتخابات النيابية وإقراره متناسين أن مجلس النواب أوصى بعدم إقراره إلا بعد انتخاب الرئيس لأن له رأياً فيه كونه مشروعاً مهماً يعيد تكوين الدولة انطلاقاً منه، ويشترطون الشيء نفسه لعمل الحكومة بحيث لا تقر إلا المشاريع الضرورية التي هي من أولويات الوطن والمواطن، وإذ بهم يطلبون إقرار التعيينات الامنية والعسكرية قبل أي أمر آخر وإلا عطّلوا جلسات مجلس الوزراء… مع العلم أن هذه التعيينات تعني رئيس الجمهورية كونه الرئيس الاعلى للقوات المسلحة. فكيف يطالبون بالشيء ونقيضه؟ فمن جهة يرفضون التشريع في مجلس النواب إلا للضرورة كي تبقى الاولوية لانتخاب رئيس للجمهورية وكذلك الأمر في مجلس الوزراء، ثم يصرون على إقرار تعيينات مهمة ومشاريع مهمة أيضاً في مجلس النواب، فيكونون بموقفهم الغريب هذا قد ساهموا من حيث يدرون أو لا يدرون في تعطيل الانتخابات الرئاسية، وفي تعطيل عمل مجلس النواب وفي تعطيل عمل مجلس الوزراء وشرّعوا أبواب الفراغ على كل المؤسسات في الدولة اعتقاداً منهم أنهم يضغطون من خلال ذلك للإسراع في انتخاب رئيس، في حين أنهم يؤدون بذلك خدمة مجانية لمن يعملون من أجل إحداث هذا الفراغ الذي لا خروج منه إلا بالاتفاق على دستور جديد للبنان وربما على صيغة جديدة له ونظام جديد قد لا يكون للاقطاب المسيحيين دور فاعل في كل ذلك وهم على ما هم فيه من تشتت وتفرّق بحيث ان مطالبتهم بالمزيد من الصلاحيات توقعهم في النقصان وقد يخسرون حتى منصب الرئاسة الاولى إذا ما طرحت فكرة المداورة التي عاد الكلام عليها بسبب أزمة الانتخابات الرئاسية التي يتهم المسيحيون بها لأنهم لم يتفقوا على مرشح للرئاسة ولا قبلوا بأن يتفق عليه سواهم، ولا أمّنوا النصاب لجلسة الانتخاب، وهو أمر غريب اذ إن فيه الشيء ونقيضه. فكيف يطالب المسيحيون بانتخاب رئيس للجمهورية قبل أي أمر آخر ويتغيب عدد من نوابهم عن الجلسة من دون عذر مشروع لأنهم يريدون فلاناً من دون سواه رئيساً للجمهورية وإلا
فلا انتخاب، ويريدون إقرار مشروع جديد للانتخابات وإلا فلا جلسات نيابية، ويريدون فلاناً قائداً للجيش وإلا فلا جلسات لمجلس الوزراء ولا
قائد…
إن خطورة الوضع في البلاد باتت تتطلب من بكركي دعوة النواب المسيحيين الى لقاء حاسم يخرج البلاد من الورطة التي زجّها فيها مرتهنون لخارج أو لمصالحهم الذاتية، ليتخذ فيه قرار واحد وهو وجوب حضور جلسة إنتخاب رئيس للجمهورية من دون شروط مسبقة إذا ظل الاتفاق متعذراً على تسمية مرشح واحد أو مجموعة مرشحين، وأن تحاول “القوات اللبنانية” إقناع نواب “تكتل التغيير والاصلاح” لتثمير الحوار معهم بحضور جلسة الانتخاب ليكون ذلك الحصيلة المهمة من هذا الحوار قبل أي شيء آخر، وأن يحاول عون إقناع حليفه “حزب الله” بالحضور ايضاً، وإذا لم يستطع إقناعه فليتصرف عندئذ كما يتصرف الرئيس نبيه بري وهو حليف حليفه، ويحضر الجلسة بمعزل عن “حزب الله”، هذا إذا كان مقاطعو الجلسات ولا سيما منهم المسيحيون يريدون حقاً انتخاب رئيس للجمهورية قبل أي أمر آخر لأن لا دولة ولا مؤسسات ولا سلطات من دونه بل “كل مين إيدو إلو”… وإذا كانوا يريدون فعلاً “لبننة” انتخاب الرئيس، لا تأدية خدمة مجانية لخارج يصنع الرئيس واعطاء دور لإيران في لبنان والمنطقة.