IMLebanon

“الخادم القائد” و”شياطين التعصب”

لم يحلم أي من اكراد هكاري بأن يكون لهم مطار في منطقتهم التي تشكل معقلاً لتمرد “حزب العمال الكرستاني”، ومع ذلك حقق اردوغان لهؤلاء مرادهم قبل أشهر قليلة أملاً في كسب أصواتهم في الانتخابات المفصلية. لكن انتصاره الساحق الاحد كان ينغصه سقوط كل مرشحي حزبه في هذه المحافظة ونجاح المرشحين الثلاثة لحزب الشعوب الديموقراطي.

والامر نفسه تكرر في محافظات أخرى يقطنها الاكراد، أما في مدينة ماردين التي “حررها” الجيش التركي من المتمردين وجعلها مسكناً لضباطه وجنوده فلم ينل الحزب الحاكم منذ 13 سنة إلا 29 صوتاً فقط من أصواتها.

تحت مقولة “الخادم القائد” حقق “بابا طيب” في عقدين ما لم يحققه أي زعيم تركي من قبل. إعتمد منهج القيادة بالخدمة، شق الطرق، بنى الجسور، شيد القصور، افتتح المطارات، انجز مدنا سكنية، ونقل تركيا من مستوى الدولة النامية الى مرتبة الدول النخبة اقتصاديأ. هذه “الخدمة” توجته سلطاناً وكانت سبباً لفوزه الباهر امس الذي اذهل الاصدقاء قبل الخصوم بمن فيهم هو نفسه. لكن هذه الخدمات فعلت فعلها الايجابي في مناطق وبين فئات اجتماعية محددة، بينما فعلت العكس في مناطق أخرى وبين فئات اجتماعية أخرى، فهل المشكلة تكمن في طبيعة التنمية، أم ان الخدمات والمشاريع تصير ثانوية عندما تحضر النعرات الطائفية والعرقية؟

الأكراد صوتوا لحزب الشعوب الديموقراطي، لم تغرهم الخدمات ولم تردعهم عن دعم حزبهم لا الحرب الاعلامية عليه ولا الحرب العسكرية على نصيره “حزب العمال”. هذه الحرب سرقت من حزب الحركة القومية نسبة من جمهوره المطالب بمزيد من الحزم ضد خصمهم العرقي لمصلحة الحزب المحارب لكنها لم تحرم الحزب الكردي دخول مجلس النواب.

العلويون الاتراك لم تحفزهم لا حرب اردوغان ولا خدماته وابقوا ولاءهم لممثلهم الشرعي والتاريخي، حزب الشعب الجمهوري الذي حافظ على نسبته كما هي.

اردوغان كسب في صناديق الاقتراع كسباً واضحاً بنجاحه في تجييش الاكثرية المذهبية والقومية خلفه، لكن مفاعيل سحر “القائد الخادم” بددتها “شياطين” العصبوية والتقوقع.

تركيا، كباقي دول المنطقة، سرها في تنوعها، فهو في آن واحد مصدر تميزها وعقب أخيلها. ولعل قراءة متأنية لطبيعة التصويت الانتخابي وخلفياته تظهر حساسية التمايزات بين الأقليات القومية والدينية المكونة للمجتمع. وعليه، فاما ان يعمد اردوغان بعد نيله مراده السلطوي، الى إعادة لم الشمل بين هذه المكونات ومعالجة الجروح البالغة التي اصابت العلاقة مع الاكراد والعلويين خصوصا، وإما ألا تكون “شياطين ” التعصب في المنطقة حكراً على دولة دون الاخرى.