تراجع الزخم النيابي في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية امس عن الجلسة التي سبقتها، ما يؤشر الى ان الاسباب السياسية التي حالت حتى الان دون توافر النصاب الدستوري (الثلثان) ما زالت على حالها، ما يعيق انجاز الاستحقاق الرئاسي وابقائه في دائرة التعطيل والانتظار.
هكذا انفّض الحشد النيابي الذي بلغ 62 نائبا امس بسبب عدم الوصول الى الرقم المطلوب لانعقاد الجلسة الـ37 لانتخاب الرئيس، وبدلا من ان يرتفع مؤشر «بارومتر» الحضور من 73 صعوداً نزل 11 نقطة في اجواء رتيبة الى حدود الملل لولا الموقف الذي سجله الرئيس سعد الحريري بعد الجلسة تجاه الاطراف المقاطعة.
صحيح ان الحريري حرص على العودة من باريس والرياض عشية موعد الجلسة وعلى حضورها شخصياً، الى ان مفاعيل تعميمه في الجلسة السابقة على نواب كتلته بالنزول الى ساحة النجمة بدا اقل تشدداً ولم يرتفع الى درجة الاستنفار بدليل انه لم يصطحب معه النائب عقاب صقر من بروكسيل المبتلية بلوثة الارهاب التكفيري الاممي.
ويبدو ان الاستنفار الذي شهدته اجواء الجلسة التي سبقت جلسة الامس قد تراجع بعد ان تأكد ان المسألة لا تعتمد على المعادلة الرقمية بقدر ما هي مرتبطة بالسياسة والمعادلة السياسية، فحضور عشرة نواب او 85 نائبا الى المجلس لا يقدم ولا يؤخر في مصير الاستحقاق الرئاسي الذي يبقى معلقاً على نضوج لحظة التوافق السياسي.
ولا شك ان تراجع عدد الحضور من 73 الى 62 نائباً ترك انطباعاً بان موجة التفاؤل النسبي التي سادت في الجلسة السابقة لم تكن تستند الى معطيات سياسية بقدر ما كانت تنطلق من آمال وامنيات وحسابات غير مضمونة..
وفي يوم موعد جلسة انتخاب الرئيس لم يعد الدكتور سمير جعجع بعد الاتفاق مع عون يستنفر فريقه الاعلامي في معراب ويعقد مؤتمره الشهير للتذكير بواجبات انجاز الاستحقاق الرئاسي. ويبدو انه مع مستلزمات المرحلة الوفاقية الجديدة مع «الجنرال» غير اسلوبه واستبدل هذا المؤتمر الدوري باستباق الجلسة والتصويب على «حزب الله» دون غيره في تحميله مسؤولية التعطيل، مديراً ظهره لموقف عون الرافض لاي شريك في الترشح الى انتخابات الرئاسة، والمصر على تحويل هذه الانتخابات الى استفتاء تزكية ينقله من الرابية الى بعبدا في قطار «الميثاقية»، و«التمثيل المسيحي»، وسواها من العبارات التي يكثر التيار الوطني الحر من استخدامها في معركته الرئاسية التي تجاوز السنتين.
واذا كان «الجنرال» وصهره رئيس الحزب وفريق العمل قد «فركوا» ايديهم امس مبتهجين بانخفاض عدد الحضور في جلسة الامس عن التي سبقتها، فان تهديدهم باللجوء الى التشمير عن السواعد او الى الشارع لا يعدو كونه سوى حركة تهويلية لأن عون يدرك ان حليفه «حزب الله» لا يشاركه في مثل هذا الاسلوب، وانه حريص على الهدوء والاستقرار وعدم «زيادة الطين بلّة».
وبرأي مصادر سياسية ان العماد عون يدرك مخاطر التلويح وباللجوء الى الشارع في ظل التهديد الامني القائم، وان الهدف من الاعلان عنه هو خلق ما يشبه التوازن بين الضغوط لتأمين نصاب الثلثين وبين استمرار وابقاء المقاطعة على حجمها لضمان تأخير الاستحقاق بانتظار تبدل الحسابات لمصلحة فوزه في الانتخابات.
لكن «الجنرال» يدرك ان التوازنات الداخلية السياسية هي ليست لمصلحته خصوصا بعد ان خسر العديد من الحلفاء بعد ترشيح النائب سليمان فرنجية.
ويعرف ايضا ان «الفيتو» السعودي غير قابل للتعديل وان العالم اصلا يدير ظهره للاستحقاق الرئاسي اللبناني في ظل الهستيريا التي تسوده بسبب وباء الارهاب التكفيري الاممي.