Site icon IMLebanon

ميثاقية الجلسة  

 

 

هدف جديد سجلته الثورة، هذه المرة في مرمى مجلس النواب، إذ حال الثوار دون وصول النواب الى ساحة النجمة، وانقضت «المواجهة» الحضارية من دون أضرار على الأرض… وبالتالي سيبقى القديم على قِدَمِه في أمانة سر مجلس النواب وأعضاء ورؤساء اللجان. وأصلاً قلّما حصل تبديل جذري في هذه المهام والمسؤوليات النيابية إلاّ نادراً، أي إلاّ عندما كان يراد تأديب نائب ما أو كتلة غير مرضي عنها. ودرجت وسائط الإعلام والصحافة، سنوياً، على العنوان الذي بات تقليدياً وماركة لبنانية مسجّلة تحت العنوان الآتي: أمانة المجلس واللجان: «القديم على قدمه». مع فارق يبدو بسيطاً في الظاهر، ولكنه جوهري في واقعه، كون المسألة يقررها الدستور. إذ كان النواب يجددون اللجان التي يجدد أعضاؤها، بدورهم، لرئيس كل لجنة..

 

بينما هذه المرة يتم التمديد بحكم  الأمر الواقع واستناداً إلى اجتهاد قانوني صادر عن أستاذنا في القانون الدستوري المرحوم إدمون ربّاط الذي كان مرجعاً محترماً في هذا المضمار.

 

إذاً، الثورة حققت إنجازاً جديداً، والثوار يمنّون النفس بالمزيد  من الانتصارات حتى تحقيق بنود «أجندتهم» كلّها. ولكن، في المقابل يجب الانتباه إلى أنّ الجلسة ما كان مقدّراً لها أن تمضي بعد انتخاب أعضاء اللجان وأمانة سر المجلس. ويبدو أنّ المسألة اتخذت طابعاً ميثاقياً، بإعتبار أن التشريع غير مقبول مع حكومة تصريف الأعمال. صحيح أن كتلة تيار  «المستقبل» النيابية الوازنة تحوّل قرارها من حضور الجلسة فقط للمشاركة بإنتخاب اللجان من دون التشريع الى مقاطعة  الجلسة كلياً، ولكنها في المنطلق لم تكن تحبّذ عقد الجلسة في المطلق بينما الحكومة مستقيلة، ودائماً من منطلق ميثاقي.

 

وفي المعلومات الأكيدة أنّ نواباً مسيحيين ينتمون إلى غير كتلة وتكتل تمنعوا عن التوجه الى ساحة النجمة ليس فقط بسبب الحصار الذي ضربه الثوار على المجلس النيابي بل أيضاً تحسساً بالمسؤولية وتضامناً مع موقف الطيف السني.

 

وهذه الروح التضامنية ليست مستجدة في لبنان وعلى اللبنانيين. وفي مرحلة ما قبيل الحرب التي ضربت لبنان في العام 1975 كلّف الرئيس المرحوم سليمان فرنجية نائب طرابلس المرحوم أمين الحافظ (الذي كان رئيس لجنة الشؤون الخارجية النيابية بإمتياز) تشكيل الحكومة، الأمر الذي اعترضت عليه قيادات ووجوه الطائفة السنية الكريمة، وبالذات الرئيس المرحوم رشيد كرامي (وكان الحافـظ يفوز بالنيابة على لائحة الأفندي). وشكلت الحكومة وأعد رئيس الوزراء الجديد التشكيلة الوزارية وتقرر موعد جلسة الثقة التي كانت مؤمنة بأكثرية كبيرة. وكان الرئيس المرحوم كميل شمعون  رئيس أكبر كتلة نيابية فاتصل بفرنجية وقال له: يا فخامة الرئيس لا أقبل أن تنال الحكومة الثقة بأصواتنا وأصوات النواب الذين يشكلون معنا الأكثرية الكبيرة، في وقت لا تريد أكثرية الطائفة السنية لهذه الحكومة أن تكون في السراي. ثم استدعى شمعون الصحافيين الى القاعة العامة لمجلس النواب وأعلن «فرط الجلسة»… واستقال الحافظ ذلك النائب الآدمي المثقف الجامعي والخلوق.