سياسة وأحوال لبنان والحزب العتيق للكتائبيين قرار العودة للنضال، والخشية من استقرار بلا رئيس
الجلسة مع النائب سامي الجميّل ورفاق له حول طاولة صغيرة ذات مذاق شبابي. له ولهم حرية الحلم، وفوق الحلم بعض أدوات التأثير في الواقع: نيابة وحزب وانتساب إلى عائلة سياسية تاريخية لا يحتاج نائب المتن إلى استذكارها. تحضر تلقائياً عند حديثه عن ضرورة العودة إلى البدايات، زمن أسّس جده الشيخ بيار الجميّل وكوكبة من رفاقه حزب الكتائب اللبنانية قبل 79 عاماً. لعلّ جدّه كان هو أيضاً في الموقع نفسه سنة 1936 عندما كان يستذكر جدّه الشيخ بشير الجميّل، طبيب متصرفية جبل لبنان.
أخبار البلد تفرض نفسها مع “المقبّلات”. حوار الدكتور سمير جعجع والجنرال ميشال عون إلى ماذا سيؤدي؟ يستمع إلى تكهنات وتحليلات تدور على استحالة أن يؤيد جعجع ترشيح عون للرئاسة رغم أجواء مناقضة يشيعها بعض الإعلام، وعلى دواعي هذا الحوار، حسناته وسلبياته. سرعان ما تنتقل التحليلات إلى خطاب الرئيس سعد الحريري في احتفال “البيال” الذي غاب عنه الرئيس أمين الجميّل بسبب آلام “ديسك” وحضره نواب الكتائب والسيدة جويس، ثم الخطاب الأخير للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله المندفع في معركة كبرى على مستوى المنطقة يقول إن من لا يشارك فيها لن يستطيع المشاركة في تحديد مصير لبنان. على المدى المنظور يحتاج لبنان إلى معجزة ما لينجو من حسابات إمبراطورية تطوّقه. لا يستبعد الجميّل الإبن المعجزات.
تغيير آلية اتخاذ القرار في مجلس الوزراء؟ “لا يمكن”. “ولا فريق يقبل”. يعرض النائب الجميّل وجهة نظر تشمل تاريخ لبنان الحديث: كلما شعر فريق بأنه مستبعد ويُعامل كأقلية يجوز فرض القرار عليها ، خرج هذا الفريق من الإتفاق العام وعاد إلى التأثير من خلال تحالف مع خارج ما. تبادل الجميع هذا الدور، المُسلمون السُنّة والشيعة، والدروز والمسيحيون. في التاريخ شواهد كثيرة. يعني إذا اعتُمد التصويت بدل الإجماع فسوف تتعطل الحكومة. وليس هذا المطلوب دولياً وإقليمياً.
يخبر نائب المتن هنا عن فرحة عارمة ساورته عندما تبلغ أخيراً من أصحاب شركتين قرارهما التقدم لمناقصة تلزيم جمع النفايات ومعالجتها في المتن وكسروان. زاروه لسؤاله رأيه، فأبلغهم بأنه والكتائبيين رفاقه لا يريدون شيئاً، يكفيهم الشعور بإنجاز خطوة – نموذج كسرت ما كان سارياً بفرض إجراء مناقصات وتلزيمات شفافة وعادلة، بعدما أشبعوا الملف درساً ولم يحققوا من تطلعاتهم في هذا الموضوع سوى نصفها، وأخفقوا في تمريرها كلها في مجلس الوزراء. فلننظر إلى النصف الملآن إذاً، ونتحضر لتلزيمات النفط التي على الأبواب.
في الحديث، يُبدي النائب الجميّل خشيةً من الرغبة الدولية في استقرار لبنان بأي ثمن لأنها قد تعني بقاء البلاد من دون رئيس للجمهورية إلى أمد غير منظور، على أساس أن حكومة الحكم الجماعي تسيّر الأمور بالتي هي أحسن. يُذكّر بمناشدته القريبة “من قلب محروق” إلى الأفرقاء المسيحيين جميعاً، والمقصود الجنرال عون وفريقه، التوجه إلى البرلمان، والتخلي عن مقاطعة جلسات انتخاب الرئيس. مناشدة كغيرها كثيرات يعلم بأنها لن تقدم ولن تؤخر.
على من تقرأ مزاميرك؟ في انتظار حل بعيد، تشغل النائب الشاب – الذي استقال من رئاسة اللجنة المركزية للكتائب تسهيلاً لعملية إعادة هيكلة شاملة داخله، كما يشرح رفاقه – الأزمة الإقتصادية الخانقة مع بلوغ الدين العام نحو 70 مليار دولار لقطاع المصارف الخاصة، وانسداد الأفق السياسي. عاملان يشيعان أجواء يأس منذ أعوام خصوصاً في أوساط شباب يفتقدون فرص عمل ويتراجع تعلقهم بلبنان. يعرف الجميّل الإبن أن يحاكي انشغالات الشباب هؤلاء، المختلفة عن اهتمامات الجيل الذي سبقه، ولا تزال مداخلته الأولى في مجلس النواب، والتي استهلها بإثارة موضوع بطء الإنترنت، ماثلة في أذهان متابعيه. ولكن ما العمل لجذب انتباه الشباب إلى الشأن العام وتحفيز روح النضال الخابي فيهم بغياب المشروع السياسي؟
“عندنا مشروع سياسي يلائم جميع فئات الشعب اللبناني، ولكنه يحتاج إلى ظروف مناسبة لطرحه ومناقشته”. ماذا عن الكتائب، هل يقدر هذا الحزب العتيق أن يحمل روحاً جديداً؟ يطرح سامي الجميّل فكرة العودة إلى الجذور. استحضار تجربة انطلاقة الكتائب منظمة شبابية بداية، مع الجدّ المؤسس ورفاقه، روحيتها ومسلكيتها “النظيفة”. في فرنسا يفكر قادة الأحزاب الرئيسية الثلاثة”التجمع من أجل الجمهورية” والحزب الإشتراكي و”الجبهة الوطنية” بتغيير أسمائها للتخلص من أعباء تواريخها والإنطلاق في السبق الرئاسي من جديد. ثلاثتهم اصطدموا بفكرة أن تغيير الإسم ليس شيئاً إذا لم يتغيّر المضمون. الشيخ سامي يذهب في الإتجاه المعاكس، إلى استحضار روحية البدايات. ولكن كل شيء اختلف عما كان أيام الإنتداب، حتى قيم الناس اختلفت. يقول إنه يترك للكتائبيين أن يقرروا ما إذا كان حزبهم القديم يصلح للأزمنة الجديدة. أن يقرروا عملياً العودة إلى نضالات التأسيس وروحيته.
يختلف النائب الشاب عن والده الرئيس في الأسلوب والحسابات واختيار مَن حوله، وإن كان بعض الناس- كلُّ لأسبابه وخلفياته وتجربته الخاصة – يتهمه بأنه كوالده الرئيس يوحي فوقية في التعامل مع الآخرين. هو والشبان رفاقه يحتفظون بقوة الحلم بدولة وأحوال لا تشبه ما يرونه حولهم. مثالياتهم حاضرة في أحاديثهم حيث تسقط صورة “القائد والشعب” السائدة أحزاب لبنان. هل يشمل ذلك جميع المحازبين أم الحلقة الضيقة؟ وهل تناسب الديموقراطية حزباً كالكتائب؟ الشيخ سامي ورفاقه يجيبون بنعم.