من منّا لا يعلم أن الرئيس نبيه بري أول مَنْ يعلم وخير من يعلم أن جلسة واحدة من طاولة الحوار لا تفكّك كل العُقد والعراقيل التي تُسرْبل الاستحقاق الرئاسي؟
إذاً، لم تكن الغاية الرئيسيّة من اللقاء الحواري الأول تحقيق وإنجاز ما يحتاج إلى اشتراك دول كبرى ووسطى وصغرى في تهيئة الظروف والأجواء الملائمة… والتي لم تعد مستحيلة بعد تأمين عبور سالك وسليم للاتفاق النووي، في مختلف الظروف.
بل تحوّلت إلى ما يشبه “إعادة التعارف” وإعادة التقارب بين المشتركين، مع محاولة غير يائسة لإعادة الابتسامة والانفتاح “النفسي” بين أناس مختلفين على كل شيء تقريباً. وفضيحة الزبالة خير دليل. ثم فضيحة الكهرباء، ومسلسل فضائح الفساد، وأخواته، ومشتقاته، وحقوله الخصبة.
وهذا أمر جيّد ومرحّب به ما دامت الجلسة التالية ستكون بعد أسبوع تماماً، حيث يتابع المتحاورون الأبحاث والمداولات الرئاسية بصورة خاصة. ولن يكون مُستغرَباً أو مُستهجَناً أن تؤجّل الثانية إلى ثالثة، فرابعة، وربما خامسة… إلى أن يكون “عنقود” الرئاسة قد نضج وحانَ قطافه.
مجرَّد افتراض، لا أكثر ولا أقلّ. وتالياً، للتأكيد والتشديد على أن الفراغ الرئاسي لم يكن خارج الجلسة الأولى للحوار، إنما ما كان الحوار ليكون لولا هذه المشكلة الدستورية الوطنية المصيريّة التي يتوقّف على إتمام فصولها في خطوة سريعة، بعدما وفّى الفراغ قسطه لإيران واتفاقها النووي… وللعُلى معاً.
للمناسبة الحواريّة الرئاسيّة، وعشيّة الجلسة الأولى للطاولة المستديرة، وعلى حين غُرّة، ومن دون سابق إنذار أو إخطار، فوجئ الرئيس تمّام سلام بوزير خارجية أميركا جون كيري يُهاتفه معرباً عن عميق إعجابه، وكبير شوقه، وشدّة قلقه على الاستحقاق الرئاسي شبه الضائع، والخطط المتعلّقة باجتماع “مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان”، والمقرَّر عقده بحضور سلام في نهاية أيلول.
وجوهر الخبر ليس هنا تماماً، إنما هو يكمن بجوهره وأبعاده في توجّهات الوزير كيري. ولهفته الرئاسيّة. وتمسّكه بوجهة نظر تقول إن من الواجب بذل كل الإمكانات والطاقات، والمساعي (اللبنانية؟) لملء الفراغ الرئاسي وانتقال لبنان من حال إلى حال… مما يدعو إلى انعقاد مجلس النواب لانتخاب رئيس في أقرب وقت.
لا، لن يكون لبنان وحده وفق ما بشَّر به كيري الرئيس سلام، مؤكّداً دعم أميركا القوي جداً والمستمر أبداً لجهوده الرامية إلى دفع التوافق السياسي.
أما خاتمة المكالمة فكانت كالعادة، وكسابقاتها: استمرار التزام أميركا استقرار لبنان وأمنه وما لا يُخفى على اللبنانيين من مآثر أميركا السابقة، والتي بفضلها وصل البلد إلى برّاد الانتظار، وجحيم الفراغ شبه الشامل.
خطوة الحوار تستحق التشجيع، فليس في اليد حيلة.