ما هي تداعيات سقوط «تلازم المسارين» السوري واليمني؟
«تسوية حسابات» لبنانية.. على «الإيقاع» الروسي
قد تكون من المرات النادرة في تاريخ الحروب، التي تسير فيها المفاوضات الديبلوماسية مع المعارك العسكرية، كخطين متوازيين. عادة ما تكون الأولى سابقة للثانية بأشواط من الزمن لتفرض وقائع ظاهرة للعيان على الأرض، وتغيّر موازين القوى، وتحسّن استطراداً شروط التفاوض على مائدة التسويات.
مع دخول طائرات «سوخوي» المجال الجوي السوري، بدا أنّ المهمتَين تنجزان بنفس القوة والزخم، ما يؤشر الى أنّ المطلوب احداث تغيير سريع في الميدان، لاستثماره بالسرعة ذاتها في السياسة.
هذا لا يعني أبداً أن خارطة النفوذ في الشرق الأوسط قد اتخذت شكلها النهائي بعد دخول الروسي بعضلاته العسكرية ليدافع عن مصالحه الاقتصادية والنفطية والسياسية، ذلك لأنّ الاختلاف بالرأي بين مراكز القوة في العالم لا يزال هو المتحكّم بالأزمة السورية، ويهدد باشتدادها أكثر، اذا لم تتغلب لغة الكلام والأخذ والرد، على لغة الحديد والنار.
عملياً، تعرف موسكو جيداً ما كان ينتظرها في بلاد الشام، وهي التي تدرك ماذا يدور في رؤوس الحكم في السعودية التي قررت تنشيط معارضتها للتدخل الروسي من خلال فتح أبواب مخازن السلاح، بعدما تعطّلت المشاورات التي كانت تحصل بين موسكو والرياض بواسطة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على أثر اللقاءين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسقوط مشروع المقايضة بين الساحتَين اليمنية والسورية، والتي كان يفترض أن تقوم على أساس تركيبتَين سياسيتَين تحفظان حقوق كل مكونات المجتمعين السوري واليمني.
حالياً، يتولى سلاح الجو الروسي مهمة «التنظيف»، وفق سياسيين من قوى «8 آذار»، بعدما استدعت التطورات العسكرية تدخله المباشر، بفعل سقوط تلازم المسارين بين التسويتَين السورية واليمنية واللتين كان يعوّل عليهما لوضع حدّ للغة المدفع في الميدانَين. وبالتالي إنّ البحث عن حلّ سياسي في سوريا لم يعد مرتبطاً بأي تطورات عسكرية أو سياسية تجري في الحديقة الخلفية للسعودية.. لا بل بات منفصلاً.
عملياً، تتصرف موسكو، وفق المصادر ذاتها، على أساس أنّها ليست مضطرة لمراعاة المصالح السعودية في سوريا، وأنّ التسوية العابرة للحدود باتت فرصها شبه معدومة، أقله حتى وقت قريب، بعدما اضطر الاسطول الجوي العسكري الروسي الى التدخل بنفسه لحسم المعركة لصالح حلفائه.
بالنتيجة، إن تدويل الأزمة السورية، مع دخول الروسي كلاعب حاسم ومؤثر في المجريات العسكرية بعدما كانت إقليمية الطابع، وقبلها محلية، أعاد خلط الأوراق في المنطقة، وغيّر في مسار التوافقات التي ستحصل، عاجلاً أو آجلاً، وتالياً في موازين القوى.
هذه المعادلة التي تنتهي، كما تقول المصادر ذاتها، بخلاصة واضحة، عبّر عنها الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله خلال خطبة عاشوراء حين جزم حاسماً أنّ سوريا لم ولن تسقط. وفق هؤلاء فإنّ هذه العبارة المقتضبة لم تثر انتباه كُثر، لكن من تسنى له الاطلاع على بعض كلام السيد في جلسات مغلقة، أدرك معانيها جيداً.
ما لم يقله السيد في الخطبة، أوضحه في جلسات لاحقة حيث ردد أمام ضيوفه أنّ ضوءاً يلوح في نفق الأزمة السورية، ما يعني بداية النهاية كما يتوخاها هذا الفريق، وهو كلام لم يسبق له أن قاله بشكل حاسم أمام من يجلسون قبالته.
طبعاً، هناك من اللبنانيين من تنبّه لهذه الإشارة وراح يسوّي حساباته على أساسها، ويرتب ساعته على أساس لحظة الحسم، التي سترتب نتائج لبنانية لا تقلّ عن تلك التي ستحصل في دمشق. وبالتالي إنّ الانتظار لم يعد قاتلاً، لا بل من شأنه أن يقلب المشهد اللبناني، رأساً على عقب.
بالنسبة لهذا الفريق، فإنّ دخول روسيا على الخط ليس تفصيلاً بسيطاً، ولم يأت بوتين بأسطوله الجوي كي يعود خالي الوفاض أو كي يصاب بانتكاسة عسكرية أو سياسية. وبالتالي إنّ الرهان على اعادة عقارب الساعة الى الوراء، أو حتى الاعتقاد أنّ ميزان القوى سيترنح لصالح أعداء نظام بشار الأسد، صار ضرباً من ضروب الخيال. هكذا، صورة ما بعد التدخل الروسي، صارت مختلفة كلياً عما قبله.
في هذه الأثناء، لا تزيح هذه المتغيرات أي حجرة دينامو على الشطرنج اللبنانية. باعتراف الزوار الأجانب والمسؤولين اللبنانيين الذين يقصدون دول القرار، فإنّ لبنان غائب عن الخارطة الدولية. وحتى السعودية المأزومة يمنياً، كما ترى قوى «8 آذار»، ليست مهتمة بتحريك الملف اللبناني، لا ايجاباً ولا سلباً، ويعتقد المسؤولون فيها أنّ تعديل موازين القوى في سوريا هو الذي سيتكفل بتغيير المشهد اللبناني. وبالتالي إنّ الضغط سيكون على الجانب الآخر.
أما لبنان، فيتكل حتى الآن على جرعات المخدر التي تحقن من وقت لآخر في عروقه، وتحول دون الانفجار، على المستويات كافة.. فلا تمنحه مقويات الدعم الذي يحتاجه لتسيير شؤونه بشكل دستوري من جديد، ولا تسمح بتفجّر شرايينه في لحظة تخلّ!