انخرط الجميع في المشاورات وتجاوزوا الصّدمة، وكلّما طال وقت المشاروات كلّما قلّت كثيراً حظوظ التسوية بالنّجاح، ولكن زيارة علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني الآتي من لقاء بشّار الأسد “البطل” كما وصفه، حرّكت بالأمس مياه التساؤلات الرّاكدة عن الصّمت الذي يلتزمه حزب الله منذ أطلق الرئيس سعد الحريري مبادرته ـ بصرف النّظر عن موقفنا من هذه المبادرة ـ فهل يخرج حسن نصرالله أمين عام حزب الله عن صمته وما الذي يحمله إليه علي أكبر ولايتي من تعليمات “وليّه الفقيه” خصوصاً وأنّ ولايتي صاحب نظريّة “الهجوم على سوريا يُعدّ هجوماً على إيران وعلى حلفاء إيران”؟!
حتى الساعة مبادرة الرئيس الحريري إن كانت دخلت مرحلة المشاورات الباردة التي لملمت حال الغضب التي تلت إعلانها، وباتت الحصول على إجابات لدى «مرشّح الصّدمة» عن مواضيع لبنانية مصيريّة حول علاقته ببشار الأسد خلال فترة رئاسته، وعن سلاح حزب الله الذي سيرتدّ إلى الدّاخل اللبناني بعد انسحابه من سوريا مهزوماً، إلا أنّها ما زالت محاطة بكلّ أسباب استفزاز مشاعر اللبنانيّين وجمهور 14 آذار، فبالأمس صرّح جميل السيد: «مبادرة الحريري تجاه فرنجية ليست شخصيّة وتعبّر عن توافق قوى كبرى لاستباق تطورات المنطقة»، لا نُريد أن نعلّق على هذا الكلام، ولكنّه جاء ليؤكّد ما تردّد عن أنّ السيّد هو صاحب فكرة ترشيح فرنجيّة التي همس به في أذن وليد جنبلاط، وهذا سيدفع لبنانيين كثر يستفزّهم اسم أقوى رجال النظام الأمني في حقبة الوصاية إلى التفكّر مطوّلاً متسائلين: هل عاد جميل السيّد إلى صوغ تركيبات الرؤوس على النّظام؟! إن صحّ الكلام، فعلى لبنان السّلام!!
وزيارة علي أكبر ولايتي ليست ببعيدة عن هذه التسوية، وكان قد صرّح بالأمس أنّ «الآمال فيما يتعلق بانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية قد ازداد ويبشر بالخير… نأمل في أن نشهد في القريب العاجل اختيار وانتخاب رئيس للجمهورية يكون موضع قبول وموافقة جميع الأطراف اللبنانية وكلّ الشعب اللبناني»، ولن نلبث أن نشهد تحوّل جملة علي أكبر ولايتي «رئيس للجمهورية يكون موضع قبول وموافقة جميع الأطراف اللبنانية» تنقل التسوية إلى عُقدةٍ جديدة وصعبة، إيران تريد مؤتمر تأسيسي ولا تُريد تسوية، ولبنان كما هو اليوم هو الوضع الأمثل لتحقّق إيران مبتغاها!!
لبنانيّاً العُقَد التي تحولُ دون وصول النائب سليمان فرنجيّة كثيرة بقدر بُعْدِ المسافة بين بنشعي وبعبدا، التي اختصّها مناصرو التيار الحرّ بهتاف منذ العام 2005، فكلّما حاموا حول القصر ردّدوا: «بقوّة الله ومار عبدا عون راجع عبعبدا»، والباقي من زمن هذه العودة الحلم القليل، ولا نظنّ الجنرال ميشال عون سيُفرّط بحُلْمِه المستحيل.
من قرأ بالأمس ما صدر عن فرنجية ردا على بعض التسريبات، يتيقّن أنّ المرشّح غير الرسمي «يعيش الدّور» وكأنّ ترئيسه أمرٌ حاصل غداً، فردّ على عوائق ميشال عون رداً على بعض التسريبات فقال: «إذا استمرّ الترشيح فقط لتعطيل ترشيح فرنجية فهذا موضوع آخر… الحديث عن رفض الأقطاب لترشيح فرنجية نناقشه اذا كان هناك عذر مسيحي او وطني، أما اذا كان على قاعدة «ليش انت مش انا» فالأمر مختلف تماما وغير مقبول»… هنا، لا بُدّ لنا من أن نقول: إن الجنرال ميشال عون سيخرج قريباً عن صمته، ومع هذا التسويّة ستظلّ متعثّرة جداً، لأنّ معظم اللبنانيّين لن يقبلوا أن يجلس «خيّ» بشار الأسد وحليف إيران في قصر بعبدا، مهما كان حجم التهويل بخراب البلاد، وهذا كلام يفتقدّ إلى الدّقة، ولو اتفق المعنيّون وحلّوا مشكلة تعطيل الحكومة لسار البلد ولانتخب رئيسٌ للجمهوريّة ولن يكون هذا الرئيس إلا توافقيّ وعلى التوقيت اللبناني، لا على توقيت الدخول الجويّ الروسي على خطّ الحرب السوريّة، حتى ظنّنا أنّ بشّار الأسد سيربح في لبنان بينما هو خسر 80 بالمئة من سيطرة نظامه على سوريا!!
وحتى يستعيد بشّار ما فقده يحتاج إلى جيشيْن يضافان إلى مرتزقة إيران الذين يحاربون معه، يحتاج إلى الجيش الإيراني والجيش الروسي لاستعادة سوريا ولكن أرضاً محروقة وبلا شعب؛ ولنرَ عندها من سينقذه من مأساة «الحاكم الظالم» في مسرحيّة «ناطورة المفاتيح»، ومن سيعيد إعمار بلدٍ أمضى خمس سنوات في تدميره عن بكرة أبيه.