IMLebanon

«التسوية» لم تنضج و«التيار» ماض في التصعيد

مع انتهاء عطلة عيد الفطر السعيد، لا يبدو أنّ «التسوية الحكومية» التي ستمنع «الانفجار» المؤجَّل أصلاً قد نضجت، وأنّ الوساطات المتعدّدة قد أفضت إلى نتيجةٍ عمليةٍ بعيداً عن «الهدنة» التي أرستها على أكثر من خط، فضلاً عن «الجمود» الذي فرضته العطلة، على أن تتكثف الاتصالات والمساعي الوفاقيّة مطلع الأسبوع قبيل موعد جلسة مجلس الوزراء المقرّرة يوم الخميس المقبل.

وفي هذا السياق، تؤكّد مصادر وزاريّة أنّ الجلسة لا تزال في موعدها، وأنّ رئيس الحكومة تمام سلام مصمّمٌ على عقدها في وقتها أياً كانت نتائج الاتصالات، مشيرة إلى أنّ الأمر لم يعد «خياراً» بالنسبة للرجل، الذي يعتبر أنّ واجبه يقتضي منه الدعوة لاجتماع الحكومة خصوصًا أنّ هناك الكثير من البنود التي لم تعد تحتمل التأجيل، والتي ترتبط بالشؤون المعيشية والاجتماعية للمواطنين، من دون أن ننسى أنّ الحكومة هي المؤسسة الوحيدة التي لا تزال «صامدة» إلى حدّ ما، بحيث لم تنل منها «عدوى» الفراغ الذي يتنقّل بين مختلف المؤسّسات، وإن وصلتها «بشائر» الشلل من خلال «الجمود» الذي أصابها في الفترة الأخيرة.

وتلفت المصادر إلى أنّ رئيس الحكومة كان واضحًا في المواقف التي أطلقها مؤخراً لجهة أنّ جميع الأفرقاء يجب أن يتعاونوا لإنجاح العمل الحكومي وإبعاد خلافاتهم السياسيّة عن الحكومة حتى تكون منتجة، وهي ترى أنّ الانتقادات التي تعرّض لها جراء هذا الموقف أساءت فهم المقصود منه، لأنّ سلام لم يطلب من الأفرقاء مثلاً أن يتحوّلوا داخل الحكومة إلى إخوة وأحبّاء، ويتركوا خلافاتهم في الشارع ليعالجوها كما يشاؤون، وهو أمرٌ ينطوي على خطورةٍ كبيرة من دون شكّ، ولكنّ ما أراد قوله أنّ حكومة المصلحة الوطنية تفترض تعاون الجميع، حلفاء وخصوم، طالما ارتضوا منذ البداية على الجلوس على طاولةٍ واحدةٍ والمشاركة في حكومةٍ واحدة، وذلك من أجل أن تكون اسماً على مسمّى. وترى أنّ سلام يتصدّى بهذه الدعوة للمنطق الذي انزلقت إليه الأمور في الآونة الأخيرة، بحيث بات البعض ينظر إليها على طريقة «مرّر لي هذا البند لأمرّر لك ما تريد»، إضافة إلى «بدعة الوزير الرئيس» التي قد تكون «أساس البلاء»، إذ بات كلّ وزير يعتبر نفسه رئيس الجمهورية، ويرفض أن يناقشه أحد في ذلك.

عمومًا، تشير المصادر إلى أنّ الاتصالات التي بدأ الحديث عنها منذ تثبيت «هدنة الأسبوعين» مع آخر جلسةٍ لمجلس الوزراء ستنشط وتتكثف خلال الساعات القليلة المقبلة، خصوصًا أنّ مختلف الأفرقاء بدأوا يستشعرون بأنّ الأمور قد تفلت من أيديهم، إذا لم يتمّ الاتفاق على «الآلية» قبل جلسة الخميس، علماً أنّ المصادر بدأت تلمّح لإمكانيّة تمديد «الهدنة» لأسبوعٍ إضافي، وذلك بفضل «ملف النفايات» الذي يُعتقَد أنّه يمكن أن يفرض نفسه «الطبق الرئيسي» على طاولة مجلس الوزراء، فيتحوّل إلى «المُنقِذ» للحكومة هذا الخميس، بحيث «تُرحَّل» الأزمة من دون أن تُحَلّ، علمًا أنّ هناك تنسيقاً بين وزيري الداخلية والبيئة نهاد ومحمد المشنوق لطرح الحلول لهذا الملف الشائك الذي يلامس كلّ اللبنانيين من دون استثناء، وحتى لا يتكرّر مشهد النفايات المتراكمة في الشوارع، مع ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر كارثية بيئياً واجتماعياً وصحيًا.

وسط ذلك، يؤكد «التيار الوطني الحر» أنه ماضٍ في خطته التصعيدية حتى النهاية لأنّ الأزمة وصلت إلى مرحلةٍ لم يعد «الحلّ بالمسكّنات» معها ممكناً، فالمطلوب علاجٌ جذري يعيد لأصحاب الحقوق حقوقهم من مصادريها وسالبيها. تقول أوساطه أنّ «التيار» أبدى انفتاحه الكامل على كلّ الوساطات التي دخل أكثر من فريقٍ على خطها، ولكن وفق قاعدة عدم التنازل عن المطالب المُحِقّة التي يرفعها، والتي بات الجميع يقرّ بأحقيتها بشكلٍ أو بآخر، ما يعني ضرورة علاج «أصل الداء» بدل مواصلة التأقلم معه حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.

ووفق منطق «اشتدّي يا أزمة تنفرجي»، لا يخشى «التيار» أن يوصل تصعيده إلى «الانفجار المحتّم»، لأنّ هذا المصير يجب أن يأتي عاجلاً أم آجلاً، فالأمور وصلت بالفعل إلى حائطٍ مسدود لا يمكن السكوت عليه أو تجاهله والقفز فوقه كأنّه لم يكن. وتلفت أوساطه في هذا السياق إلى أنّ «التيار» حاضرٌ لمواصلة تحرّكاته ميدانيًا، وهو أصلاً لم يترك الشارع خلال «هدنة» الأسبوعين، وحافظ على وجوده وإن بوتيرةٍ خجولةٍ بعض الشيء، وذلك لإيصال رسالة لكلّ من يعنيه الأمر مفادها بأنّ شيئاً لن يقف بوجه «التيار» في معركته المصيريّة هذه، وأنّه جاهزٌ لكلّ السيناريوهات التي يمكن أن توصله في النهاية إلى شاطئ الأمان، مؤكدة أنّ الأزمة لم تعد أزمة رئاسة جمهورية أو تعيينات أمنية، بل هي أزمة ميثاقية وجودية تعني جميع المسيحيين ومكانتهم ودورهم في المجتمع والدولة اللبنانية.

في المحصّلة، تقول أوساط «التيار» أنّ المعركة بدأت، وأنّ أحدًا لا يمكنه التكهّن من الآن بطولها ومداها، لأنّها لن تنتهي إلا بحلّ جذري وشامل يعيد للمسيحيين موقعهم الحقيقي، داعية كلّ المراهنين على تراجعٍ أو تنازلٍ في مكان ما إلى أن «يخيّطوا بغير هذه المسلّة»، مطمئنة إياهم أنّ صبر «التيار» طويل وأنّه لن يوفّر وسيلة أو أسلوباً للتعبير عن الموقف إلا وسيستنفدونها، مشيرة إلى أنّ طريقة تعامل الفريق الآخر مع ذلك هو الذي سيحدّد مسار الأمور، وما إذا كانت ذاهبة نحو حلّ موضوعي متّفق عليه أو إلى مؤتمر تأسيسي حوّلوه إلى فزّاعة دون وجه حق أو حتى إلى الخيار الذي يرفضه الجميع ولكنّه قد يُفرَض عليهم في نهاية المطاف، ألا وهو الفدرالية.

ويبقى الرهان الحقيقي على الأيام الفاصلة عن جلسة مجلس الوزراء وإمكانيّة أن تحمل معها «الانفراج» الذي يتمنّاه الكثيرون، شرط أن يكون انفراجًا جدياً وفاعلاً، لا انفراجًا مؤقتاً ما يلبث أن ينهار إذا لم يكن مبنياً على أسس صلبة ومتينة لا بدّ منها…