شكّلت الأزمة الحادّة التي نشأت حول الجلسة التشريعية المقرّرة اليوم تعبيراً حقيقياً عن حجم الانهيار الذي وصلت إليه الحياة السياسية في البلاد التي تعيش تعطيلاً خطراً لمؤسساتها الدستورية، وكذلك تعبيراً عن الشرذمة والتفكّك بين القوى السياسية المتنازعة حول أبسط العناوين وأصغرها.
ويقول سياسيون واكبوا الاتصالات التي أفضَت إلى التسوية التي كسَحت الألغام من أمام جلسة «تشريع الضرورة» المقرّرة اليوم «إنّ جلسة تشريعية واحدة ويتيمة تنعقد بعد طول انقطاع أوصَلت الوطن الى حدود انقسام طائفي عمودي كان يمكن ان يدفع بالجميع الى المأزق لو لم تنجح مقاربات رئيس مجلس النواب نبيه بري، تدعمها وساطات قوى داخلية، على رأسِها حزب الله، في إيجاد المخرج الملائم في اللحظات الأخيرة.
ويشير هؤلاء السياسيون الى أنّ المأزق السياسي الكبير الذي وصلت اليه قوى متورطة في الأزمة جعلَ الجميع يجدون أنفسهم امام الحائط، وأنّ إمكانية التراجع الى الوراء صعبة، فكان الحلّ بإزاحة الحائط وحفظ كرامات الجميع ومحاولة رسم معادلة «رابح ـ رابح»، ومِن أبرز عناوينها:
أوّلاًـ الرئيس بري نجَح في عقد الجلسة في المبدأ والفعل ليجنّب لبنان كارثةً ماليّة كانت ستؤثّر عميقاً في مستقبله المالي والاقتصادي، وبذلك جنّب تحويلات اللبنانيين الماليّة من الخارج البالغة سبعة مليارات ونصف المليار دولار سنويّاً تحقيقات ومساءَلات دولية يمكن ان تقلّصَها الى الحدود الدنيا إنْ لم تمنَع وصولها إلى لبنان نهائياً.
كذلك ضمنَ بري بعقد الجلسة عدمَ إلغاء قروض ميسّرة قدّمها البنك الدولي للبنان لتنفيذ مشاريع إنمائية استراتيجية وتَبلغ قيمتها ما يَفوق المليار ومئتي مليون دولار، إذ إنّ المطلوب دولياً قونَنة الاتّفاقات الخاصة بهذه القروض في مهلة أقصاها نهاية الشهر المقبل وإلّا تصبح ملغاة ويحوّلها البنك الدولي إلى دوَل أخرى محتاجة.
ثانياًـ رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون قرّر حضورَ الجلسة على رأس تكتّلِه، وذلك بعدما نال إدراجَ مشروع قانون استعادة الجنسية للمغتربين ومشروعَ قانون صرفِ عائدات البلديات من الهاتف الخَلوي على جدول الأعمال التشريعي، إلى حصوله على وعدٍ بالبحث في قانون الانتخابات النيابية في أوّل جلسة يعقدها المجلس بعد الجلسة التشريعية التي ستنعقد اليوم، وهذا الوعد يتشارك به عون مع حزب «القوات اللبنانية» الذي سيشارك نوابُه في الجلسة أيضاً.
ـ زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري لم يكن في استطاعته تحَمّل هذا المشهد المسيحي خارجَ مجلس النواب، فشاركَ بقوّة في المساعي التي أفضَت الى التسوية.
ـ حزب الله حافَظ على التوازن المطلوب في إدارة العلاقة الصعبة بين حليفَيه برّي وعون، حتى إنّه لحَظ الدور الإيجابي للحريري في إنتاج التسوية، والذي كان مشمولاً بالشكر الذي وجّهه الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله في خطابه في مناسبة «يوم الشهيد» أمس إلى كلّ مَن ساهمَ في الحل، وإنْ لم يُسمِّه.
ويأمل بعض الذين شارَكوا في طبخ التسوية أن تشكّل الأزمة التي عولِجت والعبَر المستقاة منها مدعومةً بدعوة نصرالله الى تسوية وطنية شاملة فرصةً للجميع لإعادة حساباتهم بهدوء وترتيب أوراقهم في ضوء حسابات الربح والخسارة.
ويضيف هؤلاء أنّ التسوية التي حصلت تؤكّد أنّ القوى السياسية المتنازعة في إمكانها إذا عَقدت العزم ان تتوصّل في ما بينها إلى معالجات للقضايا الوطنية المختلف عليها.
وحسب التسوية سينشَط هذا الشهر وخلال الشهر المقبل البحثُ في قانون الانتخاب في المجلس النيابي وكذلك على طاولة الحوار بين قادة الكتل النيابية، ليشكّل الاتفاقُ عليه مدخلاً إلى اتّفاق آخر على انتخاب رئيس جمهورية جديد، تماماً كما حصَل بنتيجة «اتّفاق الدوحة» عام 2008.
ومن الطبيعي، بموجب التسوية أيضاً، أن يتمّ إلغاءُ قرارٍ كان اتّخَذه مجلس النواب خلال تشرين الثاني من العام الماضي، ويقضي بعدم إقرار قانون الانتخاب الجديد إلّا بعد انتخاب رئيس الجمهورية، وذلك عندما تَعذّر عليه يومها القانون الانتخابي العتيد.
عِلماً أنّ بنود التسوية في غالبيتها الساحقة كان برّي قد اقترحَها خلال لقاءاته على مدى الأيام الأخيرة على الأفرقاء الذين اعترَضوا على الجلسة التشريعية قبل أن يوافقوا على حضورها.