سواء «جُمِّدت» التسوية الرئاسية التي طرَحها الرئيس سعد الحريري، كما يقول البعض، أو «سَقطت» كما يقول البعض الآخر، فإنّ جميع المعنيين بها باتوا منشغلين بمعالجة التداعيات التي نجَمت عنها، كلّ في صفوفه، استعداداً لمرحلة جديدة.
المتفائلون من السياسيين يقولون إنّ التسوية التي طرحها الحريري والتي يرشّح بموجبها رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية ورشّح نفسَه لرئاسة الحكومة، قد جُمّدت في انتظار إجراء مزيد من الاتصالات والمشاورات لتذليل العقبات التي تعترضها.
والمتشائمون من السياسيين أيضاً يقولون إنّ هذه التسوية سَقطت وإنّ الفراغ الرئاسي سيستمرّ حتى السنة الجديدة، لكنّ ذلك لن يمنع من استمرار الاتصالات والمحاولات للاتفاق على إنجاز الاستحقاق الرئاسي.
وبين المتفائلين والمتشائمين مَن ذهبَ الى تفسير كلام رئيس مجلس النواب نبيه برّي لزواره الأحد على أنّه يعني أمرَين: الأوّل أنّه والحريري ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط بدعمِهم ترشيح فرنجية طرَحوا مبادرة يفترض ان يلاقيها المسيحيون بقبول واستحسان، لأنّ فرنجية هو أحد الأقطاب الموارنة الأربعة الذين كانوا اتفقوا برعاية بكركي على أن يكون رئيس الجمهورية أحدَهم في حال حظِيَ بالتوافق عليه، على أن ينسحب بقيّة الأقطاب لمصلحته.
الثاني، تأكيد بري أنّ الزعماء المسلمين، لم يفرضوا رئيس الجمهورية على المسيحيين، مثلما ردّد بعض القيادات المسيحية، وإنّما يعبّر عن أنّ هؤلاء الزعماء بادروا لإيجاد حلّ للأزمة الرئاسية، ولكنّ الآخرين، وتحديداً المسيحيين لم يتلقّفوا المبادرة، واعتبروها «تفرّداً إسلامياً» باختيار «رئيس الجمهورية المسيحي». ولذلك على المسيحيين أن يتحمّلوا مسؤولياتهم بعد الآن، ولا يتّهموا الآخرين بتعطيل إنجاز الاستحقاق الرئاسي.
ويرى بعض السياسيين أنّ التداعيات التي أحدثتها التسوية تسبّبت بتصدّعات في صفوف فريقي 8 و14 آذار، وحتى في صفوف كلّ طرف من أطراف الفريقين.
ولذلك بدأ الفريقان في معالجة هذه التصدّعات، التي بلغت حدّ تشكيك كلّ فريق في مدى التزام الفريق الآخر التحالف معه. وهذا التشكيك يَغزو الفريقين الآذاريين.
مسيحيّو 14 آذار يشكّكون بالحريري ويتّهمونه بتجاهلهم وعدم استشارتهم مسبَقاً في مبادرته. ويذهب بعض هؤلاء الى الحديث عن «إفتراق وطلاق» حصل أو سيحصل، خصوصاً بين تيار «المستقبل» وحزب «القوات اللبنانية» أياً كان المصير الذي ستؤول إليه تسوية الحريري.
أمّا محازبو كلّ مِن «التيار الوطني الحر» و»المردة» فلا يُبدون تفهّما واقعياً وموضوعياً لموقف حليفهما حزب الله، فالحزب الملتزم أدبياً وسياسياً بدعم ترشيح عون حتى النهاية والتزام أيّ خيار بديل يمكن ان يتّخذه انسجاماً مع التحالف القائم بينهما، يَسمع أصداءَ تشكيك محازبين عونيّين يريدون منه أن «يقطع دابر» ترشيح فرنجية من أساسه لأنّ عون هو الأحقّ برئاسة الجمهورية نسبةً الى تمثيله السياسي والشعبي المسيحي الواسع.
وفي المقابل فإنّ محازبين في «المردة» يريدون من الحزب دعمَ ترشيح فرنجية وإقناع عون بالتخلّي عن ترشيحه، لاعتقادهم بأن لا حظوظ للرجل بالفوز برئاسة الجمهورية.
والواقع أنّ حزب الله يريد لَملمة تداعيات التسوية للحفاظ على حليفيه عون وفرنجية، بغَضّ النظر عن أيّ اعتبار يتّصل بالاستحقاق الرئاسي أو غيره، خصوصاً أنّه تبيّنَ له أنّ حذرَه من خلفيات التسوية وأبعادها كان في محلّه، بدليل ما أحدثته من تداعيات سلبية.
ويقول بعض السياسيين إنّ لَملمة هذه التداعيات بما يَحفظ ماء وجه المعنيين بها، من شأنها ان تمهّد لمرحلة جديدة يمكن ان تتيسّر خلالها الإمكانات اللازمة للاتفاق على رئيس الجمهورية وإنهاء الشغور الرئاسي. وفي هذا السياق يستبعد هؤلاء نشوءَ ما سُمّي «حلف ثلاثي» بين «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية» وحزب الكتائب في مواجهة التسوية، وتحديداً في مواجهة ترشيح الحريري فرنجية لرئاسة الجمهورية بموجب هذه التسوية، لأنّ الأوضاع الداخلية التي تتهدّدها أخطار الإرهاب والتي تُبدي العواصم الاقليمية والدولية المعنية الحرصَ عل استقرارها، لا تتحمّل حلفاً من هذا النوع، سواء كان مسيحياً أو إسلامياً، لأنّ من شأنه ان يعيد البلاد الى دوّامة الانقسام الطائفي، فضلاً عن المذهبي.
وإذ يذهب البعض الى عدم استبعاد إقدام جعجع على دعم ترشيح عون لرئاسة الجمهورية في مواجهة ترشيح حليفه فرنجية، فإنّ قيادات سياسية بارزة تؤكد أنّ هذا الخيار لا يمكن جعجع الإقدام عليه، أوّلاً لاستحالة وصول العلاقة بين «التيار» و»القوات» والتي يحكمها «إعلان نوايا» منذ بضعة أشهر الى مستوى تحالف طائفي من هذا النوع، في وقتٍ تحتاج البلاد الى تحالف وطني جامع للخروج من الأزمة.
ويقول أحد هذه القيادات إنّ همَّ جعجع الاساسي فقط هو عرقلة أو إسقاط ترشيح فرنجية خصمه السياسي التقليدي، ويمكن أن يلتقي على هذا الهدف مع عون الذي يتمسّك بترشيحه ولم يفكّر للحظة بعد بالانسحاب من السباق الرئاسي لمصلحة حليفه فرنجية، أو حتى للوقوف على الحياد في هذا السباق.
ويرى سياسيون متابعون لشؤون الاستحقاق الرئاسي أنّ جعجع لا يستطيع أن يذهب مع عون الى أكثر من الاتفاق على مواجهة ترشّح فرنجية لاعتبارات تتعلق بعلاقاته الإقليمية الراهنة والمستقبلية، وهي علاقات لا يستطيع التخلّي عنها لئلّا يصبحَ مستفرَداً أكثر من خصومه السياسيين داخلياً وخارجياً.
على أنّ جعجع وفي سياق سَعيه في اتّجاه عون لعرقلة ترشيح فرنجية، إنّما يحاول الاستفادة من تصَلّب عون، وكذلك يستفيد بطريقة غير مباشرة من موقف حزب الله المتمسّك بدعم ترشيح عون أو أيّ خيار يتّخذه، على رغم أنّ بعض «القواتيين» يعتبرون أنّ تسوية الحريري «سَقطت ولم تُجَمّد» استناداً إلى موقف سعودي «تَهيّب» المعارضة المسيحية لها.