هل تم التخطيط لتفكيك «8 و14 آذار»؟
«مبادرة التسوية» تكشف هشاشة التحالفات
يتفق المتابعون للتسوية الرئاسية الموعودة بانتخاب النائب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، على أنها قد جُمّدت.
تتعدد الروايات والاجتهادات حول أسباب التجميد، والأخطاء التي ارتُكبت. تارة يعزونها للإخراج السيئ. طوراً لعدم إنضاج التوافق الإقليمي والدولي حولها.. وفي أطوار كثيرة الى حسابات وسلوكيات صغيرة في زمن الألعاب الكبيرة. لكن، سواء أُنجزت هذه التسوية وأوصلت رئيساً للجمهورية الى قصر بعبدا، أو تعثرت وأُجهضت، فإنها ستترك إرهاصات غير بسيطة على العلاقات بين القوى والأطراف السياسية الحليفة والمتخاصمة. فالعلاقات بين جميع هؤلاء ستشهد تغييرات على مستوى القاعدة اولا، كما على مستوى المسؤولين والقيادات.
اذا جاز أخذ الامور الى أقصاها، أمكن القول إن خلف كل قشور التحالفات والمصالحات والتقارب، خلافاً بنيوياً وحذراً تاريخياً وتشكيكاً متبادلاً في الأهداف والرؤية للبنان والمشتركات، وحتى المصالح، يحضرون في علاقات القوى والاحزاب والطوائف اللبنانية.
جاء ترشيح فرنجية ليكشف هشاشة كل التحالفات وخفتها. ليس بسيطا ان يضطر حزبان بحجم «تيار المستقبل» و «القوات اللبنانية» الى إلزام المحازبين ومناشدة المناصرين بعدم تبادل الاتهامات والتخوين، وصولا الى الشتائم، على مواقع التواصل الاجتماعي، أو في الفضاء الافتراضي، كما في الواقع والوقائع.
قد لا تنكسر الجرةّ، لكن الأكيد أن «العشاق» سيتفرقون. فالتباعد بين مكوّنات «14 آذار» يتعمق. هي ليست المرة الاولى التي يهتز فيها التحالف الذي يكاد لا يبقى منه إلا الاسم. باكرا تزعزعت الثقة.
لكل فريق، ولكل سياسي فيه روايته الخاصة. منهم من يبدأ بـ «التحالف الرباعي» وتداعياته وحجم الحصص فيه، ومنهم من يتذكر سعد الحريري رئيسا للحكومة وزائرا «صديقا» لبشّار الاسد.
في مقلب «المستقبل» طعم مرارة «قانون اللقاء الارثوذكسي» حاضرة كشاهد على استعداد الحلفاء للتخلي عن «الطروحات الوطنية» من أجل مكاسب انتخابية صغيرة. ينتقدون «القوات» في انحيازها الدائم لحساباتها المسيحية، فيما يؤكدون أن الحريري وخلفه «المستقبل»، وضمناً الطائفة السنية، تتشابك اهتماماتهم وعلاقاتهم وزعاماتهم، بمروحة أكثر اتساعاً وأبعد مدى. بالنسبة لهؤلاء، قوة لبنان بقوة تحالفاته وأصدقائه في العالم العربي اولا والمجتمع الدولي ثانيا.
هذا بالضبط ما يزيد من حذر «القوات». فشعار «لبنان اولا» الذي تبناه «المستقبل» دغدغ مشاعر القواتيين. تفاخروا به على خصومهم في «التيار الوطني الحر» المتحالفين مع «ولاية الفقيه». رددوا على امتداد سنوات أنهم نجحوا في سحب السنّة من انغماسهم بالشؤون القومية وتفضيلها على الأولويات الوطنية، وأقنعوهم بتبني أعمق ما في الوجدان المسيحي: لبنان اولا. «يكتشف» القواتيون، عند الاستحقاقات المفصلية، أن «المونة» الخارجية على «المستقبل» تتقدم على رغباتهم وميولهم.. وأحيانا، ربما، مصالحهم المباشرة. وأخطر ما يتحدثون عن «اكتشافه» أنهم لا يتفقون على رؤية واحدة للبنان ومصالحه، وربما أصدقائه وخصومه. ومنهم من يذهب بعيدا في الحديث عن «المبادئ واحترام الذاكرة والوفاء للشهداء».
هذه الحساسية بين الحليفين التي تحكمها اليوم التوازنات والمصالح القائمة، توحي باهتزاز العلاقة. فإذا كانت الواقعية السياسية تفترض الحفاظ على الحد الأدنى من التحالف، فإن المصالح والحسابات التي تزداد تباعداً، تشي بإمكانية تحلل هذا التحالف من دون إشهار.
هو واقع العلاقة ايضا بين «التيار الوطني الحر» و «المردة». يحتاج إعادة ترتيب الأمور بين الفريقين الى واحد من أمرين أحلاهما شديد المرورة على أصحابه: فإما يتبنى العماد عون ترشيح سليمان فرنجية ويُسلّف الرجل موقفاً «تاريخياً»، وإما سيتحمل مسؤولية فشل إيصال «ابن زغرتا الماروني القوي والحليف الصدوق» الى قصر بعبدا، مع كل «ما يعني ذلك من القبول لاحقا، أو الرضوخ، لتسوية قد تأتي برئيس لا لون له ولا طعم»، كما يقول أحد السياسيين الشماليين.
لا يمكن الرهان على عودة الأمور الى مجاريها بين «التيار» و «المردة» إلا اذا وافق عون على فرنجية. وهذه «دونها حسابات ووقائع ذاتية».
وحال العلاقات المتصدّعة ينسحب على معظم الأطراف في مقلبي «8 و14 آذار» التي تبدو كأنها تترنح قبل سقوطها النهائي.
فهل كان هذا واحداً من الأهداف غير المعلنة لترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية؟
هذا يفترض عقلاً سياسياً وخبرة وحنكة وبُعد نظر وحسابات دقيقة للتوازنات، لا يبدو اللاعبون السياسيون المحليون يملكونها.