Site icon IMLebanon

التسوية آتية لا محالة!

بداية، ما هي عناصر التسوية؟

أولاً، سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية مقابل سعد الحريري رئيساً للحكومة.

الأول يكتم قربه من الأسد ويتصرف «وسطياًً» في لبنان والإقليم لكي لا يحرج الحريري سنياً ويعطل عليه إمكانية «ضبط» ثلاثة مليون سني (مليون لبناني، مليون ونصف سوري ونصف مليون فلسطيني) يشعرون بالمظلومية جراء تجبّر حزب الله عليهم في لبنان ومقاتلتهم في سوريا دعماً لعدوهم اللدود بشار الأسد، مما يخلق البيئة الحاضنة لنمو التيارات الجهادية المتطرفة ويشكل خطراً داهماً على الأمن والإستقرار في لبنان.

الثاني يقبل برئيس من 8 آذار برغم معارضات لهذا التوجه داخل المستقبل وقوى 14 آذار وإمتعاض القاعدة السنية. وهو لن يطرح موضوع سلاح حزب الله وإنخراطه في الصراع العسكري في سوريا من داخل الحكومة بالرغم من إعتماد الدولة اللبنانية سياسة النأي بالنفس رسمياً. كما يركز إهتمامه على تأمين الأمن والإستقرار وتركيز الإهتمام بالإقتصاد والمال والإجتماع والبيئة…

ثانياً، تشكيل حكومة مساكنة والإتفاق على توازناتها على شاكلة الحكومة الحالية. وهذا أمر قد يكون فيه بعض التعقيد، غير أن حله بمتناول اليد.

ثالثاً، التعهد من جميع القوى المنخرطة في التسوية إجراء الإنتخابات النيابية قبل حزيران 2017 موعد نهاية ولاية المجلس الممدد له على أن يتم التوافق على قانون إنتخاب قبل ثلاثة أشهر من إجرائها وعلى أن تطرح مشاريع القوانين على المجلس النيابي للتصويت عليها في حال عدم حصول التوافق. هذا الطرح الذي أتقدم به يشكل حلاً وسطاً معقولاً بين من يتمسك بقانون الستين ومن يطالب بقانون جديد.

ولكن لماذا التسوية آتية لا محالة؟

أولاً، لأن حال اللادولة في لبنان يحمل في طياته مخاطر حقيقية جمة ولأن عدم حصول الكارثة حتى الآن لا يعني أنها لن تحصل. فالحسم العسكري أو الحل السياسي في سوريا لن يحصل في السنة أو السنتين القادمتين والأرجح في السنين القادمة ولأجل غير مسمى. وهذا الأمر يعني أن ثمة حتمية لإنتقال هذا الصراع إلى لبنان في أي وقت وأن غياب الدولة اللبنانية يستجلب هذا الإنتقال ووجودها يحد من إمكانية حدوثه. كما أن حالة اللادولة تفاقم سوء الوضع الإقتصادي وبالتالي الإجتماعي والمالي والبيئي والإداري وإستشراء الفساد في كل زوايا الحياة العامة والمجتمعية. لذا، تبدو التسوية ضرورة ماسة للحفاظ على لبنان الكيان والدولة. وهي مصلحة جميع القوى السياسية وإن تجاهلتها بعض هذه القوى.

ثانياً، لأن أحداً لن ينتصر ولن ينكسر في سوريا، وهذا أمر يدركه الجميع وإن تنكر البعض لهذه الحقيقة بهدف تبرير مواقفه التفاوضية.

ثالثاً، لأن هذا الحل يعكس ميزان القوى الفعلي المكون من عناصره السياسية والعسكرية داخل الدولة وخارجها كما من الموازين الإقليمية والدولية.

رابعاً، لأن هذا الحل يعبر في هذه المرحلة عن تقاطع مصالح بين الحريري ونصر الله، بين المستقبل وحزب الله، بين السنة والشيعة. فالمصلحة واضحة لدى الطرف الأول في ضرورة عودة الحريري إلى لبنان رئيساً للحكومة والمصلحة واضحة أيضاً لدى الطرف الثاني بإحتياجه للطرف السني الأقوى للإمساك بالوضع السني المتفلت والخطير عليه.

خامساً، لأن ثمة تقاطعاً موضوعياً بين السعودية و«حزب الله» على إستبعاد عون عن رئاسة الجمهورية. فالسعودية ترى في عون الحليف الأخطر لحزب الله وبالتالي لإيران ليس فقد لأنه أطاح بقاعدة أساسية للكيان اللبناني القائم تاريخياً على الثنائية المارونية-السنية ولأنه تمكن أن يحرف المسيحيين عن مسارهم التاريخي والطبيعي فبات نصفهم حليفاً لسوريا-الأسد وإيران-ولاية الفقيه ولكن أيضاً لأن لعون وظيفة أساسية بنظر حزب الله تقوم على أنه القائد الملهم لمسيحيي الشرق المعرضين للخطر والإبادة وهو حليف قوى الممانعة التي تقودها إيران والتي تدافع عنهم في وجه القوى التكفيرية، وعليه، فالسعودية تضع فيتو على عون في حين حزب الله يريده حليفاً وصديقاً. ولذلك لا يريده قطعاً رئيساً إذ أن وجوده في سدة الرئاسة تضعه في الموقع الوسطي داخلياً وإقليمياً، فيخسره حزب الله بوظيفتيه الداخلية والإقليمية. غير أن حزب الله لا يسعه إلا أن يدعم ترشيحه لكي لا يخسره كحليف 24 قيراط وليس لأسباب سياسية وأخلاقية ودينية كما يردد.

وهنا، لا بد من الإشارة إلى أنه كان ثمة فرصة لإنتخاب عون منذ ستة أشهر عندما كان الحريري داعماً لترشيحه. في ذاك الوقت، كان مفتاح الرئاسة بيد سمير جعجع، إذ لو كان دعم ترشيحه لكان تمكن من إقناع السعوديين من رفع الفيتو عنه ولكان حشر حزب الله في الزاوية ولكان إنتخب عون. غير أن جعجع لم يقتنع بترشيح عون آنذاك.

أما اليوم، فهو لن يرشحه لأنه أصبح من الصعب تسويقه نظراً لإلتصاقه التام بحزب الله ولأن جعجع، إن فعل، يتناقض بقوة مع السعودية. لذا، عون أخرج تماماً من السباق الرئاسي. أما المراهنة على قلب الموازين الإقليمية ولا سيما في سوريا، فهو ضرب من الخيال. وإن صحت، فذلك يعني أن عون يأتي رئيساً على دبابة إيرانية. وهذا، نعي لجوهر الكيان اللبناني إن حصل، وهو لن يحصل!

سادساً، لأن الرئاسة باتت محسومة لـ 8 آذار في إطار أي تسوية بعد ترشيح عون ومن ثم فرنجية من قبل الحريري. فبات طرح أي مرشح من 14 آذار أو أي مرشح توافقي يشكل إستفزازاً لحزب الله كما لعون ذاته ويطيح بالتسوية. يبقى نظرياً عون أو فرنجية في الحلبة الرئاسية. وبما أن عون فقد كل حظوظه، يبقى فرنجية لوحده.

سابعاً، لأن المجتمع الدولي بأسره يدفع بقوة بإتجاه التسوية لأن إنفجار الوضع في لبنان نتيجة تداعيات الوضع المتفجر في سوريا والمنطقة يؤثر بشكل ملحوظ على الإستقرار في المنطقة لما يحتوي عليه من عناصر التأزم: حزب الله وهو إمتداد لإيران الإسلامية، وجود اليونيفيل، اللاجئين السوريين، موقف إسرائيل من أي تطور درامي في لبنان…

ثامناً، لأن ثمة تقاطع مصالح بين السعودية وإيران في تحييد لبنان عن الصراع في المنطقة، ولو دون التشاور بينهما ولو لأسباب متباينة: السعودية لأن أولويتها هي اليمن ومن ثم سوريا ومصلحتها في أن لا يتحول لبنان إلى هم إضافي، وإيران لأنها تريد أن يتفضى حزب الله للقتال في سوريا دون أن يستهدف في لبنان من قبل من يحاربهم في سوريا.

تاسعاً، لأن ترشيح فرنجية هو الأسهل لتسويقه لدى عون: فهو من مجموعة الأربعة الأقوياء، وهو من نفس الخط السياسي كما هو من مكونات كتلة التغيير والإصلاح التي يتزعمها عون.

العائق الرئيسي للتسوية يكمن في حرج حزب الله لإقناع عون بالتخلي عن ترشيحه لصالح فرنجية. إقناعه مسألة وقت على أن لا يطول لأن البلد معرض في أي لحظة لخضات قد تدخله في آتون الفوضى واللاإستقرار!

على عون أن يقتنع أن الأوان فات والفرصة ضاعت والفيتو عليه لن يرفع لأن وضعه بات لصيقاً بحزب الله الذي تتعارض مصلحته جوهرياً مع تبوئه مركز الرئاسة وأن الدينامية الدولية الداعمة لترشيح فرنجية ليس من السهل تعديل وجهتها وإن المراهنة على تحولات دراماتيكية في المنطقة ضرب من الخيال!