البلد أمام تسوية.
وهي حاجة سياسية لا مخرج.
فوجئ السياسيون جميعاً، بأن الحراك المدني يكاد ينتزع منهم القضايا الحساسة.
وفوجئوا أيضاً بأن الحراك يخطف منهم الشارع ولا يبقي فيه أيضاً اللعبة السياسية.
كان النائب نصري المعلوف، عندما عينه الرئيس كميل نمر شمعون وزيراً للمالية، يردد بأن اللعبة أكبر من اللاعبين.
وفي أحيان كثيرة أقوى من الجميع.
وذات مرة خبط يده على الطاولة في مجلس الوزراء، مما أثار غضب الرئيس شمعون، وعندما عاتبه رد الوزير بأن غضب الوزير أقوى من زعل الرئيس.
الا ان رئيس الجمهورية استرسل في الضحك، وبادر نصري المعلوف بأن الغضب جيد، اذا بقي في حدود التحذير!!
البلد الآن بحاجة الى تسوية من تسعة بنود لتنجو حكومة تمام سلام من الاحباط، بعد عودته من الأمم المتحدة.
ضحك أحد أركان تيار المستقبل من أعماق قلبه، وهو يروي للرئيس سعد الحريري، أن وزيراً عينه، ويرفض حل مأزق التعيينات الأمنية.
لكن الرئيس سعد لم يكن سعيداً ببطولات وزيره، وهو بالكاد عمل وزيراً أخيراً، بعدما شلحوه مديرية عامة كان يتولاها.
الا ان رئيس الوزراء السابق، تصرّف كما كان يفعل والده الشهيد رفيق الحريري، الذي دأب على صيانة الوطن من الانهيار، أكثر من حرصه على مواقع معرّضة للاهتزاز.
عرضوا عليه التسوية، فوجد أنها حاجة لا مخرج.
وهي تنطوي على تسعة بنود، في مقدمتها موافقة العماد عون وحزب الله وتيار أمل وتيار المستقبل.
والباقون من التفاصيل.
وأبرز ما فيها ترقية شامل روكز الى رتبة لواء، قبل تسريحه.
ولكل ترقية ثمن.
كما ان لكل حل مرجعية وحلاً معقداً في البلد.
واذا كان لبنان بلداً مؤهلاً لتسويات عادلة، فإن الاعتراض عليها لا يأتي الا من الفاشلين.
والفاشلون كثر.
والناجحون هم أمل لبنان، كما يردد دائماً الوزير السابق الشيخ وديع الخازن.
والترقيات هي جزء من تسوية.
وبنودها التسعة تبقى أساس الحوار، اذا ما كان الرئيس بري وقادة المستقبل وحزب الله والاستاذ وليد جنبلاط بمحضونها الثقة.
كان ريمون اده لا يوافق بيار الجميل على معظم آرائه، لكنه أرسل وزيراً سابقاً الى الرئيس فؤاد شهاب، لتأليف حكومة رباعية، منه ومن رئيس حزب الكتائب، برئاسة الرئيس رشيد كرامي وعضوية الرئيس حسين العويني، بعد ازمة الانقلاب اليميني على حكومة الغالب والمغلوب، من اجل حكومة اللاغالب ولا مغلوب، بعد احداث العام ١٩٥٨.
وفي رأي الوزير حبيب ابي شهلا، ان التوافق على الامور الثانوية، يمهد لحل الامور الرئيسية.
أين البلد من الأزمات الصغار، اذا كان فيه كبار للأزمات الكبار؟
كان الرئيس سليمان فرنجيه ينصح الكبار باستلهام التجارب من الكبار وصولاً الى أوطان الكبار.
ولكن، لا أحد الآن يفكر الا بخلافات الصغار، لأنهم لم يتعايشوا مع المحن والأزمات العابرة لمشاكل دونها مصلحة الوطن.
عندما أذيع البلاغ رقم واحد، وطلب من رئيس الجمهورية مغادرة السلطة، اعتقد كثيرون أن الانقلاب العسكري الأول ينطوي على تغيير كبير.
وبعد ٧٢ ساعة، انهار البلاغ رقم واحد، في أيادي الغرباء، وهتف الناس بحياة رئيس كان أقوى من سواه بارادته.
يومئذٍ، لم يبقَ سوى نائب واحد يزور الرئيس فرنجيه في الكفور هو الدكتور بيار دكاش.
وعندما أكمل ولايته، وسلم السلطة للرئيس الياس سركيس، قال الجميع إن الوطن باقٍ، طالما فيه رجال.