يستمرّ الرئيس سعد الحريري بجهده لتمرير توافق حول ترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وهذا الاستمرار يؤكد أنّ اللقاء بين فرنجية والحريري والاتفاق الذي تمّ لم يكن مناورة، بل كان ثمرة توافق عربي ودولي على حصول تسوية في لبنان، تترجم بانتخاب فرنجية رئيساً، وعودة الحريري رئيساً للحكومة.
لم تعد الأسباب التي أوردها الرئيس الحريري للسير بهذا الترشيح خافية، حيث يتمّ تعليل ذلك بضرورة السير بمرحلة انتقالية، قطعاً للطريق على الفراغ الذي أدّى الى حالة اهتراء شاملة، سوف تؤدّي بدورها الى تهديد النظام والطائف على وجه التحديد، والى الدخول بمرحلة فوضى لا يعود بعدها بالإمكان الحديث عن دولة ومؤسسات.
التعليل الثاني الذي يرفضه معارضو خيار فرنجية، يتمثل في اعتبار أنّ الترشيح جاء ضمن سياق اختيار أحد الأقوياء المسيحيين الذين اجتمعوا في بكركي، وهو تعليل يقول معارضوه إنه ساقط سلفاً، وإنّ مَن أسقطه هو مرشح 14 آذار الدكتور سمير جعجع الذي أعلن بعد وقت قليل على ترشحه أنه يقبل بالتسوية الرئاسية، وبالتالي لم يحصل تكريس لمنطق حصرية المرشحين الأربعة الأقوياء، لا من هؤلاء، ولا من الكنيسة التي كانت تحثّ في كلّ مناسبة على التوصل الى تسوية لانتخاب رئيس.
ويضيف معارضو انتخاب فرنجية أنّ مجموعة من الاسباب تقف وراء هذا الترشيح بعضها داخلي وبعضها خارجي والأبرز منها:
تلقّف الرئيس الحريري جواً سعودياً وغربياً يشجع على السير بتسوية انتخاب فرنجية، استباقاً كما قيل لتسويات قد تحصل في اليمن وسوريا، وفق قاعدة تقاسم السلطة، هذا التقاسم الممكن في لبنان في ظلّ استحالة فوز أيّ فريق بالضربة القاضية.
في الأسباب الخارجية ما يتعلق بالمملكة العربية السعودية التي يبدو أنها وافقت على مبدأ انتخاب فرنجية، حيث درس الأمر في القيادة السعودية، وتتضارب المعلومات حول موقف هذه القيادة فهناك مَن يتحدث عن موافقة الأمير محمد بن سلمان، ومَن يتحدّث عن معارضة ولي العهد محمد بن نايف، إلّا أنّ كلّ ذلك لا يُسقط حتمية نيل الحريري موافقة سعودية على مبادرته قبل التوجّه الى باريس ولقاء فرنجية، علماً أنّ دوائر سعودية أبلغت بعض الحلفاء المسيحيين في بيروت أنّ السعودية وافقت على أن يستطلع الحريري الرأي في موضوع ترشيح فرنجية ولم تؤيّد الترشيح ولن تؤيّده، وفي هذا الاطار يأتي بيان السفارة السعودية في بيروت انسجاماً مع الحرص على هؤلاء الحلفاء وعدم استغيابهم بتسويات تُطبخ في ليل.
في الأسباب الخارجية ايضاً ما يتعلق بالموقف الدولي وتحديداً الاميركي والفرنسي من هذا الترشيح الذي اعتبر أنه يساهم في إخراج لبنان من أزمة الفراغ، ومن هنا كانت زيارة الدبلوماسية الأميركية لبنشعي لإبلاغ فرنجية تأييد التسوية التي يمكن أن تأتي به رئيساً. عن هذه الزيارة سأل أحد رموز 14 آذار دبلوماسياً أميركياً عن الهدف منها، فما كان من الأخير إلّا أن أجابه: نعم حملنا رسالة قوية بتأييد التسوية في لبنان.
في كلّ الاحوال يمرّ مشروع التسوية الرئاسية وربما الشاملة بعثرات داخلية، وخصوصاً مسيحية، فالموقف المسيحي منها على اختلافه رافض بالعمق.
بالنسبة الى القوات اللبنانية تبدو التسوية مشروع هزيمة، ويبدو الدكتور جعجع الصامت المتفاجئ الذي لن يطول صمته كثيراً، أما باقي قوى 14 آذار فهي في وضع كمَن لا تصدّق ما يجري، بدءاً بالأمانة العامة لـ 14 آذار وصولاً الى المستقلّين، الذين بدأ الرئيس سعد الحريري بالتواصل معهم، ومنهم مَن يستعد لزيارة باريس للقاء الحريري، اسوة ببعض رموز المستقبل، وسيحاول الرئيس الحريري شرح وجهة نظره وأسبابه في قبول ترشيح فرنجية، من دون أن يعني ذلك احتمالَ تغيير مواقف الرافضين لهذا الخيار، الذي لا يرون فيه إلّا هزيمة محققة ستصيب كلَّ مشروع 14 آذار.