ليس من السهل على روسيا التخلّي عن اتفاق كيري – لافروف، وان تعرّض للقصف في البنتاغون قبل المسرح السوري. ولا من الصعب على أميركا اعلان الحاجة الى التمسك به، وان تراجعت عن تنفيذ ما التزمته في البند الأمني – العسكري المهم جداً للروس، وطلبت منهم ما رفضت هي القيام به منذ سنوات: منع طيران النظام من التحليق والقصف. فالاتفاق هو الورقة التي عملت موسكو عسكرياً وسياسياً للحصول عليها من أجل أمور عدّة، بينها تكريس الشراكة الندّية مع واشنطن وتوظيفها في خدمة أبرز الأهداف الروسية تحت عنوان العمل المشترك ضد داعش والنصرة. وهو بالطبع الورقة التي ناورت ادارة الرئيس باراك أوباما طويلاً قبل ادخالها في اللعبة كوسيلة لتوظيف روسيا في خدمة أهداف أميركية. فضلاً عن انها الورقة الوحيدة على الطاولة بالنسبة الى المجموعة الدولية لدعم سوريا التي اجتمعت في نيويورك مرتين في محاولة لانقاذ الاتفاق.
ولا أحد يجهل ان مجموعة الدعم التي تضم ٢٣ دولة ومنظمة دولية تحت الرئاسة الأميركية – الروسية المشتركة هي عملياً ثلاث مجموعات: واحدة تدعم النظام بكل الوسائل العسكرية والسياسية والاقتصادية. وثانية تدعم بالمال والسلاح والسياسة المعارضة المعتدلة التي تقاتل وتفاوض على التسوية السياسية. وثالثة تدعم بالمال والسلاح التنظيمات السلفية الجهادية وكل تنظيمات الاسلام السياسي التي ترفض التسوية السياسية والديمقراطية وبيان جنيف – ١ وبيان فيينا وكل ما يخالف شرع الله.
لكن القاسم المشترك بين هذه المجموعات هو تكرار الخطاب القائل منذ سنوات انه ليس في سوريا نصر عسكري أو حلّ عسكري بل حلّ سياسي. والوجه الآخر للقاسم المشترك هو استمرار الرهانات على الحلّ العسكري والتباري في وضع العراقيل والحواجز على طريق الحلّ السياسي. أما في الواقع، فان سوريا تبدو أسيرة واحد من أخطر أنواع الحلول العسكرية في اطار حلّ جغرافي موقت. وأما السوريون، فان نصفهم بين نازح ولاجئ، ومعظمهم في بؤس.
ذلك ان الأجواء مقسّمة بين الطائرات الروسية والأميركية والاسرائيلية والتركية والأوروبية والسورية. وكل طرف قوي محلياً واقليمياً ودولياً يسيطر على مكان بالقوة العسكرية: تركيا تتحكّم بمنطقة تتوسّع في الشمال. روسيا لها مطارات وقاعدة بحرية وقوات على الأرض. ايران والتنظيمات الحليفة لها في أكثر من مكان. الكرد لديهم منطقة حكم ذاتي. داعش لديه دولة الخلافة. النصرة التي صارت جبهة فتح الشام لديها امارة في ادلب. النظام لديه سوريا المقيّدة. أميركا لديها شبه قواعد جوية في منطقة الكرد. جيش الاسلام في بعض الغوطة. والجنوب للقوى التي تدار من غرفة عمليات موك في الأردن.
ولا أحد يعرف كيف ينتهي المشهد.