خطب ما يخشى ان يستجد على مشهد العلاقات اللبنانية – العربية، بعد فسحة الانفراج التي ترتبت على الجولتين الأولى والثانية للرئيس العماد ميشال عون، على السعودية وقطر أولا، ثم على مصر والأردن ثانيا، وعلى أمل المتابعة باتجاه الكويت والامارات، بعد عودة الصحو الذي حجبته بعض التصريحات المرتبطة باعتبارات بعيدة عن المصالح الجوهرية للبنان.
بعض الأوساط المستقلة، ترى أن مشكلة لبنان، ليست بعض الشخصيات بذاتها، انما في الخيارات السياسية لهذا البعض ممن يبدو انهم جزء من حلف، وليس ما يصدر عنهم مجرد موقف، يمكن تفهمه، أو التفاهم على تغييره.
وأكثر من ذلك، السجال الذي امتدّ ليشمل الأمم المتحدة التي تتولى قواتها حماية الحدود الجنوبية مع اسرائيل، تحت مظلّة القرار الدولي ١٧٠١، ما أعاد الى ذاكرة اللبنانيين كوابيس العام ٢٠٠٦ والحرب التي شنّها الاسرائيليون على لبنان من أقصاه الى أقصاه بذريعة الردّ على خطف جنديين من حرس حدودهم.
والآن تبدو الصورة تقترب من ذلك المشهد، بدوافع ومصالح اقليمية، ليس للبنان فيها ناقة ولا جمل.
بعض الأوساط الدبلوماسية، تخشى أن يكون على اللبنانيين دفع ثمن التسوية في سوريا، كما دفعوا ثمن الحرب، ان يتعايشوا بمرارة، مع الغد المجهول.
وفي رأي هذه الأوساط، ان طهران لن تصل الى أي مكان في المنطقة، واللعبة الدولية قد تسمح لها بشيء من النفوذ المستند الى وقائع مذهبية، لكن لن يكون واردا السماح لها بالثابت في الوجود.
واللعبة بنظر هؤلاء الدبلوماسيين، هي بين الروس والأوروبيين، وأميركا ترامب لاحقا، فالروس يريدون الالتفاف على وجود الحلف الأطلسي على حدودهم في المتوسط، متجاوزا التعهدات الغربية بتجنّب الاقتراب التي قطعت قبيل انفراط عقد حلف وارسو… والغرب يريد ابقاء روسيا خارج المياه المتوسطية الدافئة.
والصراع رائد على أرض العرب، روسي – أميركي مباشر من خلال اسلحة الطيران، وغير باشر من خلال الحلفاء الايرانيين والأتراك، اضافة الى ما هبّ ودبّ من تنظيمات مسلحة، تبدأ بداعش ولا تنتهي عند القاعدة وحزب الله… ولا ينقص هذه المعمعة سوى العنصر الاسرائيلي المتحفز والمخشى من استدراجه مرة أخرى الى لبنان، حديقة العرب الخلفية المستقرة…
والقلق اللبناني، خارج اطار أهل الحكم، واضح وجليّ، ان لم يكن من احتمالات العدوان الاسرائيلي، فمن انعكاسات الحملة على الدول الشقيقة الحاضنة للبنانيين، واذا أبدى الأشقاء التفهم لواقع الحال اللبناني الراهن، فان الحذر قائم وبتوسع، من ان تجرف الاجراءات الترامبية ضد العرب، اللبنانيين أيضا، علما ان الأميركيين من أصول عربية ولبنانية، يعاملون في المطارات الأميركية، كما لو انهم لم يحصلوا على الجنسية الأميركية…
وحتى على المستوى الداخلي، فقد بدأت الهواجس تشغل اللبنانيين، حيال ما يتكشف يوما بعد آخر، من وجود سياستين أشبه بخطين متوازيين، لا يلتقيان، سياسة رئاسة الجمهورية وسياسة رئاسة مجلس الوزراء، وهذا التعارض جليّ تماما، أكان على مستوى السياسة الاقليمية، أو على الصعيد الداخلي المتظهر بقانون الانتخابات.
والسؤال الذي تطرحه الأوساط المراقبة هو: الى أي مدى يمكن لهذه السياسة المتباعدة أن تخدم مصلحة لبنان؟
وفي رأي هذه الأوساط، ان تعثر قانون الانتخابات، واحد من تداعيات هذه السياسة المزدوجة، وفي تقديرها ان توقيع وزير الداخلية نهاد المشنوق للمرسوم دعوة الناخبين استنادا الى قانون الستين، لن يقترن بتوقيع الرئيس ميشال عون الذي له موقف معلن بهذا الشأن، وبانتهاء مهلة الدعوة، سيتعذر التفاهم على أي قانون انتخابات، لتكون النتيجة التأجيل، بصرف النظر عن التسمية والمبررات، فالقطار اللبناني لن يكون أول المنطلقين على سكة التسويات الاقليمية المدوّلة، وإلاّ لاختلفت التركيبة وتعدّلت المفاهيم.