كلامٌ جديد بدأ يظهر في كواليس الديبلوماسية الغربية. وكما كان متوقَعاً فإنّ الشرق الاوسط ينمو في اتجاهات جديدة مع حصول التفاهم الاميركي – الايراني واقتراب موعد التوقيع على الاتفاق في اللحظة السياسية المناسبة.
المتابعون يتحدثون عن خرائط تتبادلها واشنطن مع العواصم الاوروبية المعنية ولا سيما باريس ولندن حول كيفية اعادة ترتيب المنطقة لاحقاً. ما يعني ذلك أنّ هذه العواصم تستعدّ لتحضير ملفّاتها لطرحها على التفاوض مع طهران ومع الرياض وربما انقرة بعد حصول التوقيع على الاتفاق النووي، حول توزيع النفوذ وإعادة تركيب السلطات في هذه الدول التي شهدت وما تزال زلزال «الربيع العربي».
بالتأكيد فإنّ واشنطن ومعها لندن وباريس ستدخل جميعها تلك المرحلة تحت وهج الاتفاق النووي مع إيران والذي أسّس لعلاقة جديدة مع العالم الغربي، وهو ما يعني أنّ المشروع المرسوم لهذه المنطقة لا بدّ أنه حاصل وفق منطق الإقرار بالنفوذ الايراني في منطقة الهلال الشيعي ولكن مع منح المجموعات المتنوِّعة الموجودة فيه حداً أدنى من الحماية السياسية والامنية لها.
وقد يكون العراق مثالاً معبِّراً في هذا المضمار، حيث السلطة المركزية موالية لايران ولكنّ المناطق ذات الغالبية السنّية في الشمال ستحظى بإدارة ذاتية في مرحلة ما بعد القضاء على داعش.
وتظهر مؤشرات ذلك من خلال منح العشائر السنّية دوراً عسكرياً واضحاً سيُترجم لاحقاً من خلال ضمان أمن هذه المناطق. ويلخّص أحد الديبلوماسيين الاوروبيين المشروع المطروح للمنطقة لاحقاً بأنه مشروع تقاسم النفوذ ضمن الدولة الواحدة.
لذلك تستعدّ إيران جيداً ومعها «حزب الله» لمعارك الشهر المقبل في سوريا. وهي معارك ما قبل التوقيع على الاتفاق الاميركي – الايراني وربما آخر المعارك التي لها معنى «ديموغرافي» في الصراع الحاصل في سوريا.
ولذلك ستتركز هذه المعارك والتي ستكون ضارية في منطقة القلمون السورية الملاصقة لمنطقة عرسال اللبنانية، إضافة الى الزبداني القريبة من الحدود اللبنانية، كما مناطق جنوب دمشق وتلك القريبة من الحدود مع الاردن.
وبذلك تبدو الصورة واضحة بالسيطرة على المناطق المحاذية للحدود الاردنية، ما يبقي الخريطة الجيوبوليتيك في لبنان وسوريا متجانسة كي لا نقول متكاملة، كما يبقي القرار السياسي والعسكري للنظام في تعاطيه مع الاردن وعند الحدود مع إسرائيل كي لا يكون صاحب الكلمة في ملف الصراع مع اسرائيل.
لذلك يجهد النظام ومعه «حزب الله» والحلفاء لتحقيق هذه الأهداف عسكرياً خلال الاسابيع المقبلة، كي تصبح الخريطة الجديدة امراً واقعاً مع التوقيع على الاتفاق المنتظَر.
وفي الاطار نفسه عادت تركيا مدعومة من السعودية تطلب إنشاءَ منطقة حظر جوّي في شمال سوريا. الجواب الاميركي كان بالتريث قبل أن يهمس مسؤولون اميركيون بأنّ القبول بذلك كان ممكناً لو نجح جيش النظام السوري في استعادة حلب، ولكن مع فشل الهجوم واقتصار وجود النظام في مناطق الشمال على مواقع رمزية فإنه لا ضرورة لزيادة التعقيدات وإثارة إيران ودفعها لخطوات من جانبها.
وتروي هذه المصادر أنّ السعودية أبدت قلقها من المعارك التي يجرى التحضير لها من النظام السوري وإيران، وكان الجواب الاميركي بأنّ واشنطن لا تعتقد أنّ هنالك إمكانية لكسر التوازنات الميدانية في سوريا على المستوى العريض، وأنها لن تسمح بحصول أيّ إخلال فاضح بهذه التوازنات.
ومعنى ذلك عدم معارضة واشنطن ترتيبَ بعض جوانب الخريطة العسكرية شرط ألّا تمسّ بالمعادلة السياسية ذلك لأنّ مؤتمر التسوية حول سوريا لم يعد بعيداً وبالتالي فإنه لا بدّ من تأمين مقاعد للجميع.
وحسب هذه المصادر من الواضح أن تجرى إعادة ترتيب الوضع السوري على أساس استيعاب الجميع ومناطق نفوذ متنوّعة داخل الدولة الواحدة ووفق مبدأ أنّ النظامَ جزءٌ اساس من الحلّ. من هنا يُفهم كلامُ جون كيري حول ضرورة التحاور المباشَر مع الاسد، وفي اللحظة الجاري فيها العمل للتوقيع على الاتفاق مع إيران.
ومن هنا أيضاً يمكن تفسير التسابق الحاصل في لبنان حول إنشاء معامل الاسمنت وتجهيز مرفأ طرابلس، فيما تؤكد المعلومات أنّ النظام السوري سيطلق في مرحلة ليست ببعيدة مهلة إعادة إعمار سوريا وهو يتوخّى منها ايضاً إشارة سياسية ومعنوية بأنه بات في المرحلة اللاحقة.
وفي لبنان لا بدّ أن تتأثر الامور بما يجرى التخطيط له. سيتأثر اولاً أمنياً مع اشتداد المعارك في سوريا. وتعمل الاجهزة الامنية على مراقبة الخلايا الامنية بشكل حثيث لمنع حصول أعمال إرهابية وإجهاضها مسبَقاً.
وهو سيتأثر ثانياً بالمرحلة اللاحقة لناحية المشاريع المطروحة لمستقبل الانظمة السياسية في العراق وسوريا. ما يعني أنّ لبنان لم يعد بعيداً من انعقاد مؤتمر تأسيسي سيحضره من دون وجود رئيس للجمهورية، ما يُعتبر خسارة كبيرة للمسيحيين في المعادَلة، وبالتالي صعوبة جلوسهم الى طاولة التفاوض.
في هذا الوقت، تغييران مهمّان على مستوى سفارتَي واشنطن وباريس في بيروت، ذلك أنّ الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند حسم خياره وقرّر تعيين مستشاره ايمانويل بون سفيراً لبلاده في بيروت بعد أن زاحمه على هذا الموقع جان فرنسوا جيرو.
هذا التغيير الذي يحصل ضمن الاصول والمُهل العادية، إنما يعكس أهمية المرحلة المقبلة ولا سيما أنّ بون يحظى باحترام وتقدير بالغَين في الاوساط الديبلوماسة نظراً لخبرته وواقعيته ومهنيته الرفيعة.
أما السفير الاميركي دايفيد هيل والذي ينهي مهمته الصيف المقبل فإنّ قرار اختيار خلفه ما زال يراوح بين ثلاثة أسماء الجامع بينها أنها كلها تتقن اللغة العربية وخبيرة في شؤون المنطقة والملفات العربية والثقافة الاسلامية. ربما هناك مَن يحسب لتواصل مباشر مع «حزب الله» ولو من خلال شخصيات تحظى بالطابع الرسمي.