الاعتراض المسيحي الحالي على التسوية الرئاسية المطروحة قللت من اهميته اوساط ديبلوماسية غربية مؤكدة ان ما يدور في الكواليس يشير الى أن الفرنسيين وبالتعاون مع دولة الفاتيكان سيكون لهم دور فاعل وحاسم على خط الكنيسة المارونية بقيادة البطريرك الماروني بشارة الراعي لحثها على دعم هذه التسوية الرئاسية التي تفضي إلى انتخاب الوزير سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية كون هذه التسوية تحظى بدعم الفاتيكان بقوة وغيره من القوى الدولية والإقليمية الفاعلة والمؤثرة بالشأن اللبناني وبشؤون كل المنطقة.
وتضيف الاوساط عينها إن خلاصة المحادثات الجارية على الساحة المحلية اللبنانية لا تزال حتى هذه اللحظة تشير الى أن تعاطي بعض القوى السياسية اللبنانية، لا سيما المسيحية منها مع التسوية الرئاسية المطروحة، لا يزال دون مستوى إدراك جو وحقيقة هذه التسوية، التي لا تحظى خلافا لما يظن البعض فقط بدعم دولي غربي وحسب، بل أيضا بدعم روسي قوي، اذ تشير المعلومات الدبلوماسية إلى أن هذه التسوية قد أبصرت النور بعد سلسلة من التواصل الروسي مع جميع القوى الفاعلة على الساحة الدولية.
وبالتالي فإن الرفض المستمر من قبل البعض على الساحة المحلية لهذه التسوية بحسب الأوساط عينها، هو أمر يتعارض جملة وتفصيلا مع المعطيات الدولية والاقليمية المتوافرة التي تؤكد بشكل حاسم أن فرصة انتخاب الوزير سليمان فرنجية كرئيس للجمهورية لا تزال كبيرة جدا، وهناك يقين قاطع عند القوى الدولية والاقليمية كافة بأن الرئيس سعد الحريري والسعوديين لا يناورون وهم جديون إلى اقصى الحدود في دعم هذه التسوية سيما ان جميع القوى المعنية بهذه التسوية على اطلاع كاف بأن الملك سلمان بن عبد العزيز قد أعطى الضوء الأخضر لإنجاز هذه التسوية، وهذا الأمر يمكن الاطلاع على مفاعيله من خلال حركة المسؤولين السعوديين على كل المستويات وأيضا من خلال حركة الرئيس سعد الحريري المرتقبة عودته إلى لبنان خلال الساعات المقبلة.
و أشارت الى أن المقاربة الدولية والإقليمية مع الوضع اللبناني واضحة لناحية أن حماية لبنان بكل مكوناته الاجتماعية وبمختلف انتماءاته السياسية لا تكون إلا من خلال الإسراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية وذلك من أجل إعادة الانتظام إلى عمل المؤسسات والمرافق العامة للدولة اللبنانية التي تشكل الضمانة الحقيقية لكل اللبنانيين وملاذهم الوحيد للحفاظ على وجود لبنان وسيادته وحريته وتعدده وتنوعه ورسالته الحضارية كنموذج للعيش الوطني المشترك بين المسلمين والمسيحيين في هذا الشرق، وذلك أيضا من أجل الحفاظ على آخر أهم المواقع المسيحية، ليس في لبنان وحسب، بل في كل هذا الشرق المستهدف عن سابق تصور وتصميم بمؤامرة إفراغ المسيحيين منه، ما يعني بصريح العبارة أن لبنان التعدد والتنوع المسيحي – المسلم هو أيضا مستهدف في هذه المؤامرة الجهنمية، التي لا يجوز بتاتا الاستخفاف بعواقبها الوخيمة من خلال الانزلاق نحو ابتكار شروط تعجيزية بعيدة عن أي منطق وواقع والتي لا قيمة لها سوى أنها تطيل أمد الشغور الرئاسي، مع ما لذلك من انعكاسات شديدة السلبية على الموقع المسيحي الأهم في لبنان وكل المنطقة.
وشددت المصادر عينها على أن هناك تهديداً حقيقياً وجدياً داهماً لتاريخ وجود المسيحي في عالمنا العربي، وهذا الأمر يعني بطبيعة الحال أن الوجود والحضور المسيحي النوعي والفاعل في لبنان هو أيضا مهدد، شأنه في ذلك شأن المسيحيين في العراق وسوريا ومصر وفلسطين المحتلة وغيرها من بلدان المنطقة العربية التي يعلم الجميع أن التواجد المسيحي فيها لم يكن مكتظا فقط وحسب، بل انه كان التواجد شبه الوحيد على مساحة كل الأقطار العربية قبل دخول الإسلام إليها، أما اليوم فإن هذا الوجود المسيحي أخذ بالتقلص والانكماش، وذلك إلى درجة أن هذا الأمر وكأنه ينذر بأن من بقي من مسيحيين في هذا الشرق سيكونون الجيل الأخير من المسيحيين في المنطقة العربية، التي لا يتركها المسيحيون طوعا بل بفعل قوة القتل والتنكيل والتهميش والبطش والخوف، على مرأى ومسمع كل هذا لعالم منذ عدة عقود من دون أي تحرك أممي جدي وفاعل لحماية المسيحيين والدفاع عن وجودهم وكرامتهم.
فتدمير الكنائس في العراق، واتهام النصارى جهارا من بعض المنابر بالكفر، وانبراء بعض خطباء الجوامع إلى إزاحة النصرانية من خانة الأديان السماوية التي أقرّ بها القرآن الكريم، وإدخالهم في خانة الكفر التي يصحّ الجهاد من أجل إزالتها وكذلك التعدّي جهاراً على ممتلكات المسيحيين في أكثر من منطقة عربية وتهديدهم بالانتقام، كما حدث منذ مدة على شواطئ ليبيا هي أدلة قاطعة على الواقع الخطر جدا الذي يتهدد المسيحيين في هذا الشرق وهذا ما يستدعي من مسيحيي لبنان أن يأخذوا في عين الاعتبار هذا المشهد القاتم للحضور والوجود المسيحي في المنطقة، قبل أن أن يتخذوا قرارهم بتعطيل التسوية الرئاسية المطروحة الذي سيؤدي سقوطها إلى زيادة الامور سوءاً على مسيحيي لبنان ومسيحيي كل هذا الشرق على حد سواء.