IMLebanon

أسبوع التسوية… أم المفاجآت؟

 

إنه أسبوع الحسم للتسوية أو للمفاجآت، المطبخ السياسي يركّز على تمرير التسوية الجديدة وبعث الروح من جديد في حكومة سعد الحريري، وعلى الرغم من الإيجابيات التي تضخّها المستويات الرئاسية بأنّ كلّ الأمور ماشية ولا عراقيل، إلّا أنّ هذه المستويات ليست مطَمْئنة بالكامل، فثمّة خشية لديها، ولو بنسبة ضئيلة من بروز مفاجآتٍ في آخر لحظة يظهر فيها الشيطان كامناً في بعض التفاصيل التي من شأنها أن تحرفَ التسوية عن مسارها الظاهر، ولذلك فإنّ تلك المستويات على رغم اطمئنانها للنتائج وولادة التسوية الجديدة، لا تفضّل أن تذهبَ الى الجزم بأنّ بابَ الانفراج سيفتح هذا الأسبوع، بل تفضل أن تتريّث وفق حُكم المثل القائل «ما تقول فول ليصير بالمكيول».

واضح من المجريات الأخيرة أنّ إعادة إحياء الحكومة، سواءٌ على أسس جديدة، أو وفق صياغة توافقية على «النأي بالنفس» وبعض المشتركات والعناوين ضمن حدود مقدور عليها، لا يتوخّى منها الطباخون المشارِكون في هذا المخاض، تفعيلَ الحكومة وتحصينها، وإبعاد لبنان من أن يكون على تماس مع بعض الملفات الإقليمية والشؤون الداخلية لبعض الدول، بقدر ما يتوخّون التجاوزَ النهائي للقطوع الخطير الذي ضرب لبنان منذ «سبت الاستقالة» في الرابع من الشهر الماضي، ومحو آثار كلّ الالتباسات والأسباب التي في البيان الذي تلاه الرئيس سعد الحريري من الرياض، وبالتالي إعادة التأكيد على موقع الحريري في الصيغة الداخلية، والتأسيس لدورٍ فاعل وحضورٍ قوي له في المشهد السياسي الداخلي.

من هنا، يأتي الحرصُ على إبقاء الحكومة كجسم قائم، ليخدمَ بالدرجة الأولى هدف تأكيد دور وحضور الحريري أكثر من أيّ عنوانٍ آخر، ذلك أنّ أيّاً من القوى السياسية لا يعوّل على فعاليةٍ أو إنتاجيةٍ لها يعتدّ بها في المرحلة المقبلة، او مختلفة عمّا كان عليه حال الحكومة وفعاليّتها وإنتاجيّتها قبل الرابع من تشرين الثاني الماضي. ذلك أنّ الحكومة، حالها كما حال البلد، وصارت في وضعٍ إنتقالي وتحضيري للانتخابات النيابية المقرّرة يومَ الأحد في السادس من أيار المقبل، أي بعد خمسة أشهر.

كما أنّ أيّاً من القوى السياسية لا يستطيع أن يجزم بانطلاقة سليمة لهذه الحكومة، وذلك بالنظر الى ما يعتريها من ارْتجاجٍ واهْتزازٍ في العلاقات بين مكوّناتها، وخصوصاً الخلافات العميقة التي استجدّت خلال وبعد إعلان الحريري استقالته من الرياض، وتحديداً بين رئيس الحكومة وتيار المستقبل، وبين «القوات اللبنانية».

هو واقعٌ ليس سليماً، وثمّة إقرار واضح بهذه الحقيقة من قبل كل المستويات في الدولة، وعلى ما يُقال في مجالس بعض المسؤولين، فإنّ هذا الواقعَ غير السليم، قد يكون أفضل الموجود في حالتنا الراهنة، وأفضل بكثير من وضعٍ تشوبُه توتراتٌ واحتقاناتٌ تهدّد بالانفجار، وعلى هشاشة هذا الوضع، فإنه يبقى من النوع الممكن التعايش معه لبضعة أشهر. وبعدها يمكن الانتقالُ الى وضعٍ جديد بناءً على نتائج الانتخابات النيابية.

وبديهي القول هنا إنّ التسليم بهذا الواقع، هو الذي أدّى الى قرار سياسي مزدوج حول أمرَين؛ الأول، هو السحب النهائي لفكرة التعديل الوزاري، التي تحمّس لها بعض القوى السياسية بعدما أثارها الرئيس الحريري. وثمّة مَن وَضع القوات اللبنانية في موقع المستهدَف من هذا التعديل. وأما موجب السحب فيكشفه مسؤول كبير بقوله «الوقت ليس وقت أن نصنعَ ضحايا، وثمّة أطراف مشارِكة في الحكومة تتمنّى اليوم أن تجدَ نفسَها في الموقع الذي يتعرّض للعزل، وفي موقع الضحيّة للاستثمار السياسي والانتخابي عليه، وثمّة أطراف روّجت لحكومة من لون واحد، فهل هذا عامل استقرار أو توتير؟ وفي الخلاصة لا مصلحة لأحد بحكومة من لون واحد، وحتى ولو كانت الأكثرية مع هذا التوجّه فلا يجب الذهاب اليه على الإطلاق».

وأما الثاني فهو سَحب من التداول فكرة تقديم موعد الانتخابات النيابية من أيار الى آذار، حيث تمّ التذرّع بأسبابٍ لوجستيّة تحول دون ذلك. إلّا إذا استجدّ في المدى القريب ما قد يزرع الخشية على الانتخابات والتخوّف من عدم إجرائها، وثمّة مقولة سارية في البلد تفيد بأنّ قوى إقليمية فاعلة ترغب في تطيير القانون الانتخابي الحالي كونه يؤدّي الى خسارة حلفائها في لبنان وتضييق مساحتهم في البرلمان ونشوء أكثرية جديدة حاكمة للوضع اللبناني خلافاً لما كان عليه الحال منذ العام 2005 وحتى اليوم، وتبعاً لذلك تفضّل هذه القوى الإقليمية الذهاب إما الى تعديلات على القانون الحالي، أو الذهاب الى قانون جديد أو العودة إذا أمكن الى قانون الستين.

أما لسان حال بعض المسؤولين فيواجه هذه المقولة بالتأكيد على أنّ الانتخابات حاصلة في موعدها ومن دون تأخير ولو ليوم واحد، ووفق القانون الجديد ولا تعديل في حرف فيه. أما إذا تبيّن أنّ ثمّة خوفاً جدّياً على الانتخابات، فهذا يوجب التذويب الفوري لكل الأسباب اللوجستية وتجاوزها والعودة بقوة الى فكرة الانتخابات المبكرة والعمل بها باعتبارها فكرةً مسحوبةً من التداول وليست ملغاة.

كان لافتاً ما تردّد في الأيام القليلة الماضية حول «تحالف خماسي» تجري صياغتُه للعمل به في الانتخابات المقبلة، يضمّ كلّاً من تيار المستقبل، التيار الوطني الحر، الحزب التقدمي الاشتراكي، حركة «أمل» و«حزب الله».

واضحٌ أنّ صياغة هذا التحالف استندت الى الواقع السياسي الحالي وتطوّراته، وهي قراءةٌ متسرّعة على حدّ توصيف أحد المسؤولين الذي يدعو الى «لحظ أنّ هذا التحالف إذا ما تمّ فهو يخدم القوى الكبرى وحدَها، ويعزّز منطقَ «الجرافات» الانتخابية على حساب القوى السياسية الصغرى، وهو أمرٌ يتمنّاه البعض. ولكنّ مثل هذا التحالف غيرُ ممكن الوصول اليه لأسباب عديدة، لعلّ السببَ الأساسي فيها هو أنّ تيار المستقبل لا يمكن له أن يدخل في تحالف مع «حزب الله»، ولكنّ هذا لا ينفي إمكان أن تُقام تحالفات موضعيّة وتكتيكية في بعض الدوائر لضرورات الدوائر وخصوصيّاتها».

على أنّ أهمّ من كل ما ذلك، والكلام للمسؤول المذكور، هو إبقاء لبنان مستقرّاً وعدم التصويب عليه بما قد يدفعه نحو الإنهيار. يؤشر هذا المسؤول في كلامه هذا، الى الموقف الأخير لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي هاجم «حزب الله» من باب المصارف اللبنانية واتّهمه باستخدام هذه المصارف لتهريب الأموال.

كلامُ الجبير جاء صادماً للمستويات السياسية والرئاسية، ولكلّ المعنيّين في القطاع المصرفي الذين أُربكوا وقلقوا واضطُروا أن يردّوا التهمة عنهم، مواكَبين من جهات سياسية لبنانية تُعتبر حليفةً للسعودية. إلّا أنّ ما يوجب التوقّف عنده في هذا السياق، هو أنّ ما قاله الجبير فاجأ الأميركيين قبل غيرهم، وجرى التعبيرُ عن ذلك في اتّصالاتٍ وَرَدت من السفارة الأميركية في لبنان الى بعض العارفين، مستفسرةً عن كلام الجبير وخلفياته وأبعاده وأهدافه وتأثيراته، ومستغرِبةً حديثَه عن المصارف اللبنانية.

وثمّة أسئلة طُرِحت في أكثر من اتّجاه حول ولماذا في هذا التوقيت بالذات، خصوصاً أنه جاء بعد فترةِ صمتٍ سعودي منذ مغادرة الحريري الرياض الى باريس. ومبعثُ الريبة، خصوصاً لدى المستويات الرئاسية، هو أنّ هذا الكلام، ينطوي على خطورة بالغة، إذ إنه لا يطال «حزب الله» المصنّف منظّمة إرهابية من قبل المملكة، بقدر ما يطال شريانَ الحياة المالي للبنان، والذي تشكّل فيه المصارفُ اللبنانية عصبَه، وإحدى مضخّات الأوكسيجين له.

ما يخشى منه سياسياً ورئاسياً، أن يكون ما صدر عن الجبير مقدّمةً تمهيدية لمواقف وخطوات عمَلية أكثر سلبيةً تجاه لبنان. وكما يقول مسؤولٌ كبير فإنّ «كلاماً من هذا النوع، ومن رأس الديبلوماسية السعودية تحديداً، لا يمكن أن يُعدّ زلّة لسان، هو كلامٌ لا يوجد أيّ تفسير له، سوى أنه في منتهى الخطورة، ويتجاوز كل الحدود، وغيرُ مسبوق في هجومه على الوضع المالي في لبنان، وعلى العصب الذي يقوم عليه لبنان. لا يمكن لنا في لبنان أن نوضعَ أمام امتحان صعب، ونتفرّج على محاولة نسف الوضع المالي للبنان وإرباكه، وينبغي أن ننتظر توضيحاتٍ حول هذا الأمر».

وبحسب المسؤول نفسه فإنّ «اتّهامَ «حزب الله» باستخدام المصارف لتهريب الأموال، ينطوي على اتّهامٍ ضمني للمصارف اللبنانية بالتواطؤ مع الحزب، وكلا الاتهامَين لا يستندان الى حقيقة أو الى وقائع تؤكّد الاتّهام، بشهادة كل المعنيّين في القطاع المصرفي في لبنان، المؤيّدة بشهادة المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، التي ثبت لديها قبل كل العالم، أنّ المصارفَ اللبنانية هي الأكثر انضباطاً مع الإجراءات الدولية التي وُضعت في هذا الإطار، والأكثر حرصاً على عدم خرق أيّ من هذه الإجراءات، لا بل التقيّد حرفيا وبصرامة بكل الضوابط الاميركية.

يقول المسؤول الكبير «أخشى ما أخشاه أن يكون الموقف الهجومي على المصارف اللبنانية، مندرِجاً في سياق الهجوم المستمرّ على الرئيس الحريري، والذي تمّ إحباطُ فصوله الأولى لبنانياً وبموقف المجتمع الدولي، وأخشى ما أخشاه أن يكون هناك مَن هو مصرّ على ما بدأه في 4 تشرين الثاني، بحيث لم يسلّم بخسارته السياسية في الجولة الأولى، ويريد أن يكرّرَ هذا الهجوم في جولةٍ ثانية»؟.!