يتيقّن اللبنانيّون هذه الأيام أنّ سياسة التسويات لم تعد مجدية، وأنّ تجربة «سيسرة» أمور البلد على طريقة «وضع الخلافات الكبرى ع جنب» لا توصل إلى مكان لأنّ الخلافات الكبرى في هذا البلد أكبر من أن تُحلّ، هذه حقيقة علينا الإعتراف بها، وعلى ما يبدو أنّ «الجماعة» قرّروا أن يُلحقوا التسوية عمّا قريب باتفاق معراب.
بخصوص الشعب اللبناني هل تنبّه المعنيّون إلى أي حدّ أصبحت ضائقتهم الماليّة شديدة، وأنّ هذا الإحباط الذي يضرب الشعب اللبناني، على جميع المسؤولين القلق منه، ومن هذا الإحساس العام بأننا نعيش في وطن «بائس» و»يائس» و»ميئوس منه»، ومن قياداته ومسؤوليه، وعلى كافّة المستويات!!
«خلصنا بقى»، «ضجر» الشعب اللبناني من هذه المراوحة ومن حال البلد العاجز المشلول، وسئمنا من هذا «الكباش» الذي محق وسحق اللبنانيين بين قبضتين تتصارعان إقليمياً على هوية المنطقة، سئمنا من جلجلة لا تنتهي من التجاذبات والمماحكات و»السلبطات» يعيش اللبنانيّون ولا يعيشون وحياتهم معلّقة على الخضّات السياسيّة والتدهور الاقتصادي الذي وصل معه حال اللبنانيين إلى الحضيض، «إنّو وبعدين»!
هذه هي النهاية الطبيعيّة للتسويات السياسيّة «العرجاء» أو حلّ المسائل الجذريّة المتعلّقة بهيبة الدولة بالتراضي وإذا كان ما خبرناه طوال الحربّ الأهليّة بسبب نظريّة «الأمن بالتراضي» أوصل لبنان إلى دمارٍ شامل بسبب العجز «الطائفي»، فإنّ نظرية «السياسة بالتراضي» ـ والتي يطلقون عليها تزييفاً وفاق وطني أو وحدة وطنيّة ـ ستقود لبنان إلى أزمات دستورية أكبر مما يتوقعه اللبنانيون!
منذ اخترع النظام السوري للبنان في العام 1975 «بدعة» اسمها حكومة وحدة وطنية، أو حكومة «اتحاد وطني» أو «حكومة جامعة»، ولبنان مجدداً أمام لحظة يُراد فيها للبنانيين أن يخدعوا أنفسهم بأنفسهم، نحن ذاهبون باتجاه أزمة كبرى، والجميع يدفن رأسه في حديث حكومة يتمثّل فيها الجميع، وهذا وحده كارثة!
التسويات في لبنان تعني الهروب إلى الأمام وترك الخلافات معلّقة إلى حين يحتاج من يحتاج إلى استخدامها في مزايدة من هنا وتصارع من هناك، التنازلات لم تفضِ إلا إلى تكبّد أصحابها خسائر كبيرة، التضحية من أجل لبنان لا قيمة لها في العمل السياسي، التضحية بلبنان هواية يمارسها الرّاغبون في ابتلاع كلّ الحصص السياسيّة، سياسة «ما لكم لنا، وما لنا لنا» تفرض ثقلها على الوضع القائم!
بالأمس «فتح فمه» حزب الله وحمّل الرئيس المكلّف سعد الحريري مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة، «شو هالعين الجقمة»، الكذب عند حزب الله «متل شربة الميّ»، والمعطّل الأول معروف ومكشوف، هذا «أوّل الرّقص» عند حزب الله وحلفائه، الجبهة ستنفتح ولا تستبعدوا جهبذة تخرق الدستور وستجد من ينظّر لها، كان الله في عون اللبنانيين، بلد ملتبس ودستور ملتبس وسياسة ملتبسة، وسياسيون «ملبوسين» و»ملتبسين»، لا شيء واضح في الأفق اللبناني سوى مشروع «مشكل راكب» منذ بدأ الحديث عن «معيار» تشكيل الحكومة، أعطونا نصاً دستوريّاً يتحدّث عن إلزام الرئيس المكلّف بمعيار، هذا بلد «عيار» الوقاحة فيه فالت إلى أبعد الحدود!