IMLebanon

خطأ الرهان على التسويات

 

نُخطئ إن اعتبرنا أنّ المواجهة السياسية في لبنان تقتصر فقط على الصراع الحادّ الدائر بين محور المُمانعة الاقليمي، المُتمثّل بوكيله اللبناني «حزب الله»، وبين تجمّع قوى المُعارضة له، والمتمثّل بعدد من الاحزاب والتكتلات والشخصيات، لأنّ هناك مواجهة اخرى لا تقلّ أهمّية عنها، وهي النقاش الجاري، بين فريق فضّل دائماً اعتماد اسلوب التسويات، كمدخل للتهدئة، وبين من اختار المواجهة السياسية والتوازن مع محور المُمانعة، كطريق توصل لبنان في النهاية الى الحلول الوطنية، والى الاستقرار الحقيقي المطلوب.

 

حاول دولة الرئيس الشهيد رفيق الحريري بناء وطن حديث وجميل وجذّاب للاستثمارات وللسياحة وللزوّار من كل اصقاع العالم، وأدار شؤون البلاد والعباد بحكمةٍ وبرويّة، وبحنكةٍ لتحقيق تفاهمات بين الاضداد والمتنازعين والمتنافسين والمتحالفين، واختار دائماً اسلوب تسديد الاثمان الغالية من ماله ورصيده ومن اعصابه، وكرامته احياناً، صوناً للسلم الاهلي، وتحيّةً امام مصالح لبنان العليا. ومن هذه الذهنية جاءت مقولته الشهيرة «ما حدا اكبر من بلدو». وقد نجح دولة الرئيس الشهيد بأسلوبه الهادئ والمُتفهّم والإرضائي بتمرير الكثير من المشاريع الاعمارية والانمائية والاستثمارية التي افادت لبنان، ورفعته الى مراتب اقتصادية دولية عليا، وجلبت لهذا البلد الصغير الكثير من الشركات الدولية، ووضعته في المسار الاقتصادي الاقليمي والدولي، وفتحت لرجال الاعمال اللبنانيين كثيراً من الاسواق الدولية الاستثمارية. كما استطاع بسياساته المنفتحة، وقف الكثير من الحروب والمواجهات العسكرية، فاحتلّ مكانةً كبيرة عند القيادات الدولية، واصبح بحجمٍ وتأثيرٍ اكبر من اي شخصية اخرى في المنطقة، فاعتمده الكثير من الدول لطرح وتسهيل الكثير من المبادرات، فبات هو المفتاح للحلول، وليس القابض عليه، مستخدماً طاقاته ومقدّراته للصالح العام، وللخير العام وللحلول السلمية والحوارية، «فقتلوه».

 

دخل لبنان ما بعد زمن دولة الرئيس رفيق الحريري في مرحلةٍ من مراحل اللااستقرار السياسي والامني الكبير، نتيجةً لشراسة محور المُمانعة ضدّ الحالات السيادية التي تكتّلت ضدّه، مدعومةً شعبياً، لتبنّي مشروع تحرير لبنان من مشروع محور المُمانعة القاتل له، والذي لاجل ترجمة مشروعه على الاراضي اللبنانية، استكمل مسلسل اغتيالات الشخصيات المُدافعة عن وطن الارز وقيمه، والمُناضلة من اجل صيغة الشراكة والحياد والحرّيات والهوية والرسالة. فمنهجية الاغتيالات التي مارسها محور المُمانعة، بدأها بمؤامرة «الوطن البديل» للفلسطينيين، واستمرّ بها بمحاولات إلحاق لبنان بسوريا الاسد، ثم اكملها بطرح وحدة لبنان مع ساحات المفاوض الايراني الاقليمية، وخلال كل هذه المراحل، أقدم على اغتيال المعارضين للخطوات التنفيذية لمشروعه هذا، فأسقط للبنان شهداء جمعتهم المواصفات ذاتها. قتلهم بالرغم من محاورتهم له، قتلهم، فحرم لبنان منهم، قتلهم، لأنّهم لم يتوانوا يوماً عن الدفاع عن وطنهم، وسيادتهم، قتلهم، لانهم لم يخضعوا لشروطه. الالغاء الجسدي والفكري والثقافي استراتيجية اعتمدها محور الممانعة ضدّ كل من راهن على التسويات معه لإرساء الاستقرار.

 

الخلاف بين المُراهنين على التسويات مع محور المُمانعة، وبين العازمين على المواجهة معه، لا يُفيد القضية، فقط، اصطفاف كافة المعارضين لمحور المُمانعة في جبهة واحدة تعمل بتماسك لتحقيق التوازن مع هذا المحور الشرّير، هو الطريق الافضل لبقاء هذا الوطن، وبالتأكيد، بابتعادهم عن مفهوم التسويات، التي تُنهي المواجهة، ولا تؤتي حلولاً، فالتسويات الظرفيّة هزيمة مؤكّدة للسياديين، وخطوة اضافية لمصلحة مشروع انهاء لبنان. وكل تخاذل من قبل اي فريق من فرقاء المعارضة، تحت اي مسمّيات، وبعناوين تسوويّة، يخدم فقط المشروع المُعادي للقيم اللبنانية، فالرهان على التسويات، يعني استسلاماً امام القتلة.

 

أنهت حركة 14 آذار السياسية نفسها، عندما ادخلت نفسها في منطق التسويات والرهانات الخاطئة، تحت شعار الخشية على السلم الاهلي، أمّا حركة 14 آذار الشعبية فاستمرّت، لأنّ الشعب الذي اطلقها، حافظ على روحها السيادية، وادرك أنّ حقوقه وحرّياته لن تتحقّق بالتسويات. تحمل هذه الروح السيادية الآن، مجموعةً من القوى المعارضة لمحور المُمانعة، الذين اغلقوا الباب امام التسويات، ويؤكدون يومياً صمودهم وتماسكهم، وتمسّكهم بالحلول الحقيقية وصولاً الى التفاهمات الوطنية العريضة الضامنة للاستقرار في لبنان، ولعدم اهتزازه عند كل بروزٍ لمشروعٍ ايديولوجي وفئوي جديد، يحتاج مجدّداً، للتسويات كي ينطلق ويكتمل، وتوقفه فقط، التوازنات التي تسقط التسويات.