كثر يعتبرون ان سعد الحريري لم يوّفق في ادارة خطوات تسويق سليمان فرنجية كمرشح لرئاسة الجمهورية، قادر على انتزاع تأييد نيابي محترم من فريقي 8 و14 آذار باستثناء الدعم المتسرّع من نبيه بري ووليد جنبلاط، بما يؤمّن اغلبية ثلثي عدد النواب، ليفوز في الدورة الثانية بمنصب الرئاسة باكثرية 65 صوتاً، حتى ان البعض، ومنهم من تيّاره، يعتبر ان الحريري فشل في الشكل والمضمون بهذه المهمة التي اوكلت اليه، والتعثر القائم حالياً، هو نتيجة لهذا الفشل الذي يسعى الحريري الى محوه عن طريق توسيع دائرة اتصالاته وتكثيفها، اما مباشرة واما بواسطة مساعديه ومستشاريه والمقربين منه، على جبهتي 8 و14 آذار والمستقلين، دون اغفال اتصالات بعيدة عن الاضواء مع مسؤولين اجانب وعرب طالباً مساعدته على تذليل العقبات التي حالت دون وصول مبادرته الى خواتيمها السعيدة، لكن هناك شبه اقتناع عند العديد من السياسيين، لن ينجح بتخطّي العقبات التي قامت في وجه مبادرته، على الرغم مما اعلنته مصادر نيابية في تيار المستقبل من ان الحريري لن يتراجع عن مسعى التسوية الرئاسية كما انه ـ وهنا الغرابة ـ لن يفرّط بوحدة 14 آذار، فكيف يمكن لسعد الحريري ان يجمع نقيضين تحت سقف واحد، ويحول دون انفجار الخلافات الاستراتيجية بين مكوّنات 14 آذار، من جهة، وبينها وبين مكوّنات 8 آذار من جهة ثانية، حتى ولو سلمنا جدلاً بانه استطاع اقناع 8 آذار او قسم منها بانتخاب فرنجية رئىساً للجمهورية، الا يكون الحريري عندها يؤسس بمسعاه هذا او بمبادرته غير المتوازنة الى اشتباك جديد يشبه الاشتباك الذي ادّى الى اسقاطه من رئاسة الحكومة على عتبة البيت الابيض، او الى الاشتباكات الدائمة التي عانى منها والده الشهيد رفيق الحريري في عهد اميل لحود؟
* * * *
لا اريد التشكيك بنيّة سعد الحريري الحسنة عندما يؤكد في محادثاته مع رئىس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ان «الاختلاف على الرئاسة لا يلغي الاتفاق على قانون الانتخاب» وهو يعني مشروع القانون الذي تم التوافق عليه بين حزب القوات اللبنانية وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، لأن ما يتسّرب حتى الآن من معلومات، فان التمسّك بهذا المشروع ليس قوياً عند الاشتراكي ولا هو اولوية عند المستقبل، وهو اصبح بعد تشكيل اللجنة النيابية التي تفتش عن قانون انتخابي يحظى بموافقة الجميع، اشبه «بورقة المعلاق» او «الشيك» من دون رصيد، كما انني لا اشكك بنيّة النائب سليمان فرنجية ودعوته الى التفاهم والانفتاح والحوار، ولكن النيّة الطيّبة شيء والواقع على الارض شيء آخر، خصوصاً عندما تستجد احداث او ظروف تلزم ر ئىس الجمهورية باخذ مواقف منها، سوف تتعارض بالتأكيد مع رغبته التي أعلن عنها بانه سيكون رئىساً لجميع اللبنانيين، كمثل الاعلان عن التحالف الاسلامي السنيّ لمواجهة الارهاب، والذي يمكن ان يسبب اشكالاً كبيراً بين رفض حزب الله له، والترحيب به من قبل رئيس الحكومة وتيار المستقبل وقوى 14 آذار، وكان لافتاً ان فرنجية في مقابلته التلفزيونية حاول الابتعاد قدر الامكان عن القضايا الخلافية التي تتعلق بالدولة والشرعية وسيادة لبنان، وغاص كثيراً بالامور الحياتية التي تهمّ المواطنين، مع علمه بأن التقصير في معالجة هذه القضايا، يرتبط جذرياً بالخلافات السياسية بين 8 و14 آذار، وبين نظرة كل فريق الى مفهوم الدولة والسيادة والاستقلال.
لقد اصبح واضحاً ان الحل الوحيد لانهاء هذا الاشتباك العامودي بين مكوّني 8 و14 اذار يكون بالتفاهم على تسوية شاملة لا تدفع ثمنها وحيدة قوى 14 آذار بل ان التنازل مطلوب من الجميع لتتحقق مقولة «لا غالب ولا مغلوب»، والتنازل اليوم الذي لا يصيب سوى فريق واحد، لن تكون نتائجه ايجابية في المستقبل القريب.