IMLebanon

«سبع دقائق ونصف»

«بإمكان الحرس الثوري الإيراني تدمير إسرائيل بأقل من سبع دقائق ونصف»، وعلى رغم ذلك لم يفعل! «داعش» بدورها تقيم على بعد نحو كيلومتر واحد من الحدود مع إسرائيل في جنوب سورية، وهي، على رغم وعدها «رعايا الخلافة» باقتلاع إسرائيل من جذورها، تقيم هناك آمنة مطمئنة إلى أن شيئاً لن يُقلق هذا الهدوء المريب على خط حدودها مع «العدو الأصلي».

لا عدوّ أصلياً لمثل هذه القوى الأيديولوجية سوى نحن، «رعايا الخلافة» وأمة الولي الفقيه. والحال أن السؤال عن سر هذا الهدوء الميداني مع «العدو» على جبهتي «دولة الخلافة» والولي الفقيه لا ينطوي على تحريض أو إلحاح بضرورة فتح الجبهتين، إنما على سعي إلى تحديد وجهة الصاروخ البالستي الذي بحوزة الحرس، ووجهة الفتى الانتحاري المُرسل من قبل «داعش». والحقيقة أن كلاهما يستهدفنا، وأن إسرائيل مرة أخرى هي من ضرورات الخطاب ليس أكثر. وهو على كل حال خطاب عارٍ، ولم يعد يستدرج أكثر من السخرية. فهل من نكتة أشد ركاكة من: «نستطيع أن ندمّر إسرائيل بأقل من سبع دقائق ونصف»؟ والنكتة لا تكمن في أن الحرس لا يستطيع فعل ذلك، إنما في السؤال المحير: «لماذا لم يفعل ذلك؟».

لكن السؤال الذي يعقُب النكتة، وهو مأسوي فعلاً، هو في أن رجلاً مسؤولاً عن كلامه، هو مستشار الحرس الثوري الإيراني، يشعر أن بإمكانه أن يخاطبنا بهذه الركاكة وأن يهين ذكاءنا ثلاث مرات في جملة واحدة.

«داعش» بدوره يقيم خلافته على بعد كيلومتر واحد عن «العدو». هو يقيم معه توازناً وهدنة هناك، وهنا في الموصل يلقي بالمثليين أو بمن يشك في أنهم كذلك من على أسطح المباني! هذا هو المضمون الفعلي لسلطتي الخلافة والولاية. السلطة العارية من أي ادعاء يتجاوز صفاقة كذبة ركيكة.

«داعش» يريد أن يدمّر إسرائيل أيضاً، أليس هذا ما وعدنا به الخليفة؟ ها هو يدمر القطع الأثرية في الموصل وتدمر. لن يختلط علينا الأمر. صاحب تصريح السبع دقائق ونصف، هو رجل آخر غير الخليفة. انه مستشار الولي الفقيه. الطريق الموازية إلى القدس، تلك التي يشقها الحرس الثوري من من الحدود العراقية الإيرانية عبر محافظة ديالى إلى الموصل فسنجار فسورية فالقدس. هل لديكم شك في ذلك يا رعايا الخلافة والولاية؟

المذاهب المستهدفة على ضفاف طريقي القدس ليست أكثر من تفصيل. التاريخ لا يقيم وزناً لبضع مئات من الآلاف. سبي الإيزديات والتركمانيات الروافض في الطريق إلى القدس، تفصيل لوجستي، والترانسفير المُستأنف للسكان السنّة في بعقوبة وفي ريف دمشق وحمص حاجة تقتضيها مهمة شق الطريق إلى القدس. وللذين هالهم استخفاف مستشار الحرس الثوري بذكائهم حين قال «سبع دقائق ونصف» أن يوسعوا صدورهم، فهذه ليست أكثر من استعارة عابرة في سياق مهمة هائلة اقتضت تهجير ملايين من الرعايا لفتح تلك الطريق.

إنها الأيديولوجيا الرثّة. الأيديولوجيا التي لا يؤمن بها مستشار الحرس الثوري نفسه، لكنه يعتقد بأن لا عبارة تسعفه غيرها في سياق مهمته العارية. فالرجل يعرف أن ركاكة وهُزال ما قاله سيجد وقعاً في الوعي الهذياني لمريديه، وهذه ليست حال «الخليفة»، ذاك أن الأخير ما زال يشق طريقاً دموية إلى وجدانات الرعايا. لكن الافتراق بين حالَيّ الخلافة والولاية في علاقتهما بوعي الرعايا يعود ليتلاشى عندما تصمت الحدود ما أن يبلغا خط التماس مع «العدو».

أما الضحية الأخرى لهذيان الأيديولوجيا الرثّة، فهي القدس، ليس لأن الأيديولوجيا كاذبة وصفيقة ولا تريد أن تستعيدها، بل لأنها صارت بعيدة كثيراً، ولأن أي محاولة لاستعادتها من غير طريقَيْ الرّياء هذين، ستمثل مؤامرة على الأمة وعلى المقاومة وعلى الخلافة، أين منها مؤامرات استعادة سيناء و «جزين أولاً» ناهيك عن رام الله وغزة، والضفة قبل أن تغزوها قطعان «خلافة» المستوطنين.