Site icon IMLebanon

مرحلة قاسية الضربُ فيها تحت الزنار!

يبدو انه لم يكتب بعد للبنان ان يتماثل الى الشفاء من أزمته، فما ان تلوح بارقة أمل في الافق حتى يحصل ما يبددها، فكأنه كتب على هذا البلد أن يظل موغلاً في المأساة.

بعدما سادت موجة من التفاؤل بإمكان تحرك الاستحقاق الرئاسي ايجاباً في اتجاه الحلحلة والانجاز، وبغض النظر عمّا حصل ممّا سمّي «مبادرة» بين الرئيس سعد الحريري وزعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية ولاقى تأييداً هنا، واعتراضاً هناك، وتحفظاً هنالك، جاءت الأحداث الاقليمية المستجدة من سوريا الى العراق فالسعودية واليمن والبحرين، لتعيد الأزمة اللبنانية إلى مربعها الأول وتصرف أنظار الجميع عن كل الأفكار التي طرحت في شأن انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتهدد بانهيار ما بني من ركائز، على هشاشتها، لإنهاء التعطيل في عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية الذي يهدد بأن يتحوّل تعطيلاً شاملاً لكل مؤسسات الدولة.

ويقول أحد السياسيين انّ الوضع الداخلي سيمضي الى مزيد من الجمود على مستوى معالجة الاستحقاقات الدستورية، وانّ الآمال معقودة على استمرار الحوار بين قادة الكتل النيابية الذي يفترض أن يشكّل في لحظة سياسية ما المعبَر إلى انتخاب رئيس للجمهورية، وكذلك على الحوار بين حزب الله وتيار «المستقبل» الذي يفترض ان يرفد الأول بما يساعد أركانه على التوافق وإقرار جدول اعمالها الذي يُعتبر حلاً متكاملاً للأزمة الداخلية، فيما هذا الحوار يشكّل المعبر الى تخطي تداعيات الأزمات الاقليمية ومضاعفاتها السلبية على اللبنانيين بكل طوائفهم ومذاهبهم عموماً وبين الطائفتَين الاسلاميتَين السنّية والشيعية خصوصاً.

ويضيف هذا السياسي أنّ مختلف الأفرقاء السياسيين كانوا يعوّلون على حصول توافق بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية في ضوء جملة مؤشرات وخطوات حصلت بين البلدَين في الأسابيع القليلة المنصرمة من اللقاء لدقائق بين وزيرَي خارجية البلدَين عادل الجبير ومحمد جواد ظريف على هامش اجتماعات فيينا الأخيرة التي بحثت في سبل حل الازمة السورية، الى تعيين سفير سعودي جديد في إيران قدّم اوراق اعتماده للسلطات الإيرانية بما يعيد تطبيع العلاقات الديبلوماسية بين البلدَين،

قبل ان تعلن الرياض قطعها قبل يومين، إلى الأفكار التي سمّاها البعض «مبادرة» حول الاستحقاق الرئاسي اللبناني والتي قيل انّ الحريري أبلغها بإيعاز سعودي إلى فرنجية في لقائهما الباريسي، وهي عبارة عن اقتراح لحل الأزمة الرئاسية بترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية والحريري لرئاسة الحكومة، إلى قرار مجلس الامن الدولي الأخير الذي حدّد مندرجات، بل ما يشبه خريطة الطريق لحل سياسي للأزمة السورية والذي وافقت عليه عواصم الدول الكبرى والعواصم الاقليمية الفاعلة، ومن بينها طهران والرياض.

وخلافاً لكل التوقعات التي سادت قبل نهاية السنة المنصرمة بأنّ الحراك السياسي والديبلوماسي الداخلي والخارجي سينشط خلال الشهر الجاري لإعادة تسويق ما سمّي «مبادرة الحريري» التي لم تعلن رسمياً حتى الآن بغية تحقيق توافق عليها. وهي، على ما يعلن أصحابها، أنها حظيت بتأييد اميركي وفرنسي وفاتيكاني وسعودي، فقد جاءت التطورات الإقليمية والتي كان أعنفها تنفيذ السلطات السعودية حكم الإعدام برجل الدين الشيعي السعودي المعارض نمر باقر النمر بعد سنوات من سجنه، لتطيح كل هذه الإيجابيات السعودية ـ الايرانية ودفع الأزمة بين البلدين إلى ذروة التصعيد

الذي تمثّل بقطع العلاقات الديبلوماسية بينهما والذي بادرت الرياض إليه رداً على موقف القيادة الإيرانية التي ندّدت بإعدام النمر مهاجمة القيادة السعودية بشدة، في الوقت الذي شنّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله هجوماً على الرياض وَصفه البعض بأنه بمثابة «إعلان حرب» على النظام السعودي، علماً أنّ «الحزب» كان قد اتخذ موقفاً من مبادرة الحريري من خلال تمسّكه بدعم ترشيح حليفه رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون طالما هو مستمر فيه، على رغم أنّ «المبادرة» ترشّح حليفهما فرنجية.

ويعتقد بعض السياسيين أنّ لبنان في ضوء مجمل هذه التطورات، معطوفة على ردّ «المقاومة الاسلامية» في مزارع شبعا على اسرائيل التي اغتالت عميد الأسرى الشهيد سمير القنطار في مدينة جرمانا السورية قبل نحو اسبوعين، وما يشهده الميدان السوري من تقدّم لقوات النظام وحلفائه، وانهيار الهدنة اليمنية، وبلوغ التصعيد ذروته بين الرياض وطهران.

كل هذه التطورات أدخلت لبنان والمنطقة في مرحلة جديدة شديدة القسوة «سيكون فيها الضرب تحت الزنار» نظراً الى ازدياد التداخل بين الساحات الملتهبة، إلّا أنه من المبكر الحديث عن طبيعة تأثر لبنان بهذه المرحلة القاسية، ولكنه لن يكون في منأى عنها في أيّ حال.

ولذلك، يرى هؤلاء السياسيون أنّ أفرقاء الأزمة اللبنانية لن يكون أمامهم من خيار في هذه المرحلة على الأقل سوى العودة إلى جادة العمل لإنهاء التعطيل في مؤسستَي مجلس النواب ومجلس الوزراء، طالما أنّ الاستحقاق الرئاسي الذي خيّل للبعض أنه اقترب من الإنجاز، قد ابتعد مجدداً ليطيل إقامة الشغور في رئاسة الجمهورية لفترة اضافية غير معلومة المدى، في الوقت الذي بدأ كثيرون يفسّرون عبارة «التحولات الكبرى» التي يقول البعض انّ السنة الجارية ستشهدها، على أنها تعني «انتصار أنظمة وسقوط أخرى في هذه الدولة الاقليمية أو تلك»، وقد بدأ أصحاب هذا التفسير ينظرون من الآن إلى مستقبل بعض دول المنطقة بعيون غائمة.