IMLebanon

الصرف الصحّي» يُهدّد الوادي المقدّس… فهل مَن يتحرّك؟

وادي قنّوبين المعروف بوادي القدّيسين، وضَعته منظمة «الأونيسكو» على لائحة التراث العالمي سَعياً للحفاظ عليه، فإذا بمجارير الصَرف الصحّي تهدّد تصنيفَه ورمزيّته، عِلماً أنّ المشكلة تشمل القرى المجاورة للوادي أيضاً. فما الذي يحصل؟

منذ أن أُدرِج اسمُ وادي قنّوبين على لائحة التراث العالمي، بدأ تضييق الخناق على سكّان المنطقة الممتدّة من بشرّي إلى إهدن. فالقرارات الصادرة عن الوزارات المعنية والبلديات لم تناسِب البتّة مصالحَ السكّان، ما دفعَ بعضَهم إلى إهمال ممتلكاتهم، كما يحصل اليوم مع سكّان بلدتَي إهدن وعينطورين.

«أوتوستراد النقمة»

بدأت القصّة عندما جاءت الموافقة في عهد الرئيس الأسبق لبلدية زغرتا – إهدن جورج يمّين بشَقّ طريق سريع يربط بلدة إهدن ببشرّي. تمَّ تنفيذ المشروع على أطراف بلدة إهدن ليصبحَ الأوتوستراد جغرافيّاً على كتف وادي قنّوبين.

وبما أنّ المنطقة هناك مصنّفة بيئية وتراثية أصدرَت البلدية آنذاك قراراً يسمح بتشييد المباني على الأراضي الواقعة فوق الأوتوستراد، ومنعَت أولئك الذين تقع عقاراتهم تحتَه من تشييد المباني أو استثمار الأراضي، ما يعني أنّ عقاراتهم أضحَت قيمتها المادّية تساوي صفراً.

الرصاصة الأخيرة

غالبية الملّاكين الإهدنيّين استسلموا لقرار البلدية، خصوصاً أنّه طُبِّق استنسابياً. «الجمهورية» التقت طوني سركيس فرنجية، وهو أحد الملّاكين الكبار للعقارات الموجودة تحت الأوتوستراد، ومن أكثر المتضرّرين من قرار منع استثمار الأراضي.

بلدية زغرتا – إهدن لا تشتري منه العقارات التي يملكها إلّا من خلال السعر الذي يناسبها، وتمنعه بالتالي من بيعِها على حدّ قوله. ويوضح: «حاولنا غير مرّة التواصلَ مع البلديات المتعاقبة للتوصّل إلى خواتيم سعيدة، لإعطائنا حقوقنا المشروعة وتطبيق القانون بطريقة عادلة.

غير أنّ البلدية كانت تتعاطى معنا كلّ مرّة بلامبالاة وكأنّنا لسنا أبناء هذا الجبل». ويضيف: «والأسوأ أنّك ترى بعض النافذين يخرقون النظام ويدوسون على القانون ويشيدون مطاعم على كتف الوادي بلا حسيب أو رقيب.

فيما البعض الآخر يشيد مبانيَ سكنية بعد تأمين الغطاء السياسي، في حين أنّ المواطن الملتزم القانون يقف على الحائط، مكبَّل اليدين، ما يُسبّب أضراراً بيئية كبيرة وانتهاكاً لحرمة الوادي. فبالله عليكم، عن أيّ قانون نتكلم؟». ويطلب فرنجية من الزعامات الزغرتاوية التدخّل لوضع حدٍّ للانتهاكات وتطبيق القانون على الجميع بلا استثناء.

مخالفات بالجملة

في المقابل، هناك استياء كبير داخل الشارع الإهدني حيالَ تعاطي بلدية زغرتا – إهدن مع هذا الملف. ففي حين يُمنع استثمار الأراضي الواقعة تحت الأوتوستراد أو تشييد المباني عليها، تجد أنّ المحسوبين على هذا أو ذاك من السياسيين، شيّدوا مبانيَ سَكنية، نواديَ رياضية مقاهيَ ومطاعم.

وقد بدأت هذه المشاريع تتكاثر يوماً تِلوَ الآخر ونبَتت كالطفيليات حتى ازدحمَ بها الأوتوستراد. ووفقَ الدراسات الأخيرة تبيَّنَ أنّ هناك على كتف الوادي ما يقارب 15 مشروعاً تمتدّ على طول الأوتوستراد وتصبّ مجاريرُها في وادي قنّوبين، ناهيكَ عن المباني السكنية.

البلدية تشرَح

من ناحيته، يوضِح رئيس بلدية زغرتا-إهدن شهوان الغزال معوّض لـ«الجمهورية» أنّ «منطقة الوادي مصنّفة بيئية تراثية، ويُمنَع فيها العمران بشكل جَذري، لأنّها امتداد لوادي قنّوبين التاريخي». وتشييدُ المباني فيها على حدّ قوله يُعرّض السياحة في إهدن للخطر ويقضي على جغرافيتها الممتدّة من بشرّي إلى إهدن.

وبعيداً من التصنيف، يضيف معوّض: «من الجميل أن تسيرَ على الأوتوستراد في إهدن وتتأمّل جمال طبيعة الوادي بدلاً من أن يكون الباطون والمباني سَدّاً منيعاً يحجب عليك تمجيدَ الخالق».

أمّا في ما يتعلق بالمشاريع التي أُقِيمت على طول الأوتوستراد، فيلفت إلى أنّ أصحابَها لم يخالفوا القانون، وما حصلَ أنّهم شيَّدوا مبانيَ يمكن فكّها وتركيبُها بسرعة، «ونحن كبلدية شكّلنا فريقاً من المهندسين لدرسِ هذه الظاهرة التي بدأت تتكاثر، والسعي لنقل هذه المشاريع إلى منطقة أخرى».

وعن المباني السكنية الموجودة، يشير معوّض إلى أنّها قديمة وشُيِّدت قبل توَلّيه رئاسة البلدية. أمّا عن البُنى التحتية في إهدن، فيلفت إلى عدم وجود شبكة صَرف صحّي في البلدة، «والمشكلة بدأت منذ العام 1998 حين توسّعَت إهدن وكبرَت مساحتها الجغرافية ولم تترافَق هذه الثورة العمرانية مع إنشاء شبكة للمجارير التي بقيَت تصبّ في بلدة عينطورين». ويطلب معوّض من أهالي إهدن الحفاظ على البيئة في بلدتهم والمناطق المجاورة، والتعاون مع البلدية ضمن هذا الإطار.

مشروع الصَرف الصحّي

أمّا الرئيس الأسبق لاتّحاد بلديات قضاء زغرتا طوني سليمان فقال على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي: «أتمنّى على اتّحاد بلديات قضاء زغرتا الحالي إعادة العمل جدّياً وفي أسرع وقت ممكن لإحياء ما عملتُ عليه شخصياً في دراسة عامّة لمجارير الصرف الصحّي الممتدة من بلدة إهدن وصولاً إلى دير قنّوبين مروراً ببلدة عينطورين».

وتطرَّقَ إلى تكلفة المشروع التي على حدّ قوله «لا تتخطّى مئتي ألف دولار أميركي مجزّأةً على ثلاث سنوات». ويضيف: «لم يغِب مشروع الصَرف الصحّي عن أجندة أعمالي، وحين كنتُ رئيساً للاتّحاد عملتُ على تنفيذ المشروع بالتعاون مع رئيس دير قزحيّا الأب ميخائيل فنيانوس وبلدية زغرتا-إهدن في عهد الرئيس المرحوم توفيق معوّض وبلدية عينطورين وحضور سايد الشب فرنجية ممثّلاً النائب سليمان فرنجية الذي كان يجهد في سبيل تنفيذ مخطط المشروع. غير أنّ الأعمال توقّفَت إلى أجل غير مسمّى بسبب دعاوى قانونية بين الدير وبلدية زغرتا – إهدن».

مخاطر الصَرف الصحّي

ويشرَح رئيس بلدية عينطورين ألبير أبي أنطون أنّ خمسة مصادر لمياه الصرف الصحّي تصبّ من إهدن في عينطورين، ومنها إلى دير قزحيا. ما يعني أنّ قرار منع البناء تحت أوتوستراد إهدن جائر ولن يحلّ المشكلة، إذ إنّ المجارير في إهدن تأكل الأخضر واليابس.

ويقول لـ«الجمهورية»: «تقدَّمنا في تاريخ 3-2-2015 بكتاب إلى قائمَّقام زغرتا نشرحُ له أنّ المياه التي تغطي مقابر الرهبان والقدّيسين وفي وادي الدير، هي مياه الصَرف الصحّي الخاصة بمشروع أحد المجمَّعات السياحية التي تصبّ من خلال قساطل على المقابر، ولا علاقة لبلدية عينطورين بالموضوع».

ويصف وضعَ عينطورين بالمأسوي، حيث إنّ «الصَرف الصحّي لمجارير إهدن يصبّ في البلدة من جرّاء عدم وصلِها بمشروع الحفَر الصحّية المعَدّة لها حين تمّ استحداث شبكة مجارير في وقتٍ سابق. فالأضرار جسيمة من جرّاء تدفّق المياه القذِرة على أرزاق وممتلكات السكان الذين أصيبوا بأمراض خطيرة، ما دفعَهم إلى مغادرة أرزاقهم التي أضحَت مستنقعا للمجارير».

وفي السياق، قالت مصادر قريبة من أحد المسؤولين الروحيّين في المنطقة لـ«الجمهورية» إنّ طوني فرنجية نجلَ رئيس تيار «المردة» أخذ على عاتقه إيجادَ حلول لمشكلة الصَرف الصحّي في المنطقة ومعالجة الموضوع في أسرع وقتٍ ممكن، حفاظاً على دير قزحيا والوادي المقدّس ورمزيته.